للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَى جَمِيعَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ يُخْلَطُ بِالتُّرَابِ، وَإِذَا الْمَاءُ يُصَبُّ مِنَ الْقِرَبِ وَالْمَزَاوِدِ. فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ وَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنْ فِعَالِ الْجِنِّ عَنْ أَمْرِ زَوْجَتِهِ فَضَاقَ ذَرْعًا عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ، فَأَتَاهَا وَجَلَسَ وَأَوْمَأَ إِلَى الْأَرْضِ وَقَالَ: يَا أَرْضُ، صَبَرْتُ لَكِ عَلَى إِحْرَاقِ ابْنِي وَإِطْعَامِ الْكَلْبَةِ ابْنَتِي، ثُمَّ أَنْتِ الْآنَ قَدْ فَجَعْتِنَا بِالزَّادِ وَالْمَاءِ وَقَدْ أَشْرَفْنَا عَلَى الْهَلَاكِ!

فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَوْ صَبَرْتَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ، وَسَأُخْبِرُكَ: إِنَّ عَدُوَّكَ خَدَعَ وَزِيرَكَ فَجَعَلَ السُّمَّ فِي الْأَزْوَادِ وَالْمِيَاهِ لِيَقْتُلَكَ وَأَصْحَابَكَ، فَمُرْ وَزِيرَكَ لِيَشْرَبَ مِنَ الْمَاءِ وَيَأْكُلَ مِنَ الزَّادِ، فَأَمَرَهُ فَامْتَنَعَ، فَقَتَلَهُ، وَدَلَّتْهُمْ عَلَى الْمَاءِ وَالْمِيرَةِ مِنْ قَرِيبٍ وَقَالَتْ: أَمَّا ابْنُكَ فَدَفَعْتُهُ إِلَى حَاضِنَةٍ تُرَبِّيهِ وَقَدْ مَاتَ، وَأَمَّا ابْنَتُكَ فَهِيَ بَاقِيَةٌ، وَإِذَا بِجُوَيْرِيَةٍ قَدْ خَرَجَتْ مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ بِلْقِيسُ، وَفَارَقَتْهُ امْرَأَتُهُ وَسَارَ إِلَى عَدُوِّهِ فَظَفِرَ بِهِ.

وَقِيلَ فِي سَبَبِ نِكَاحِهِ إِلَيْهِمْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْجَمِيعُ حَدِيثُ خُرَافَةٍ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا حَقِيقَةَ.

وَأَمَّا مُلْكُهَا الْيَمَنَ فَقِيلَ: إِنَّ أَبَاهَا فَوَّضَ إِلَيْهَا الْمُلْكَ فَمَلَكَتْ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: بَلْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ بِالْمُلْكِ لِأَحَدٍ فَأَقَامَ النَّاسُ ابْنَ أَخٍ لَهُ، وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا فَاسِقًا لَا يَبْلُغُهُ عَنْ بِنْتِ قَيْلٍ وَلَا مَلِكٍ ذَاتِ جَمَالٍ إِلَّا أَحْضَرَهَا وَفَضَحَهَا، حَتَّى انْتَهَى إِلَى بِلْقِيسَ بِنْتِ عَمِّهِ، فَأَرَادَ ذَلِكَ مِنْهَا فَوَعَدَتْهُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهَا إِلَى قَصْرِهَا وَأَعَدَّتْ لَهُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَقَارِبِهَا وَأَمَرَتْهُمَا بِقَتْلِهِ إِذَا دَخَلَ إِلَيْهَا وَانْفَرَدَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَ إِلَيْهَا وَثَبَا عَلَيْهِ فَقَتَلَاهُ. فَلَمَّا قُتِلَ أَحْضَرَتْ وُزَرَاءَهُ فَقَرَّعَتْهُمْ، فَقَالَتْ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ مَنْ يَأْنَفُ لِكَرِيمَتِهِ، وَكَرَائِمِ عَشِيرَتِهِ! ثُمَّ أَرَتْهُمْ إِيَّاهُ قَتِيلًا، وَقَالَتِ: اخْتَارُوا رَجُلًا تُمَلِّكُونَهُ. فَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِغَيْرِكِ، فَمَلَّكُوهَا.

وَقِيلَ: إِنَّ أَبَاهَا لَمْ يَكُنْ مَلِكًا، وَإِنَّمَا كَانَ وَزِيرَ الْمَلِكِ، وَكَانَ الْمَلِكُ خَبِيثًا، قَبِيحَ السِّيرَةِ يَأْخُذُ بَنَاتِ الْأَقْيَالِ، وَالْأَعْيَانِ، وَالْأَشْرَافِ، وَإِنَّهَا قَتَلَتْهُ، فَمَلَّكَهَا النَّاسُ عَلَيْهِمْ.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا عَظَّمُوا مُلْكَهَا وَكَثْرَةِ جُنْدِهَا فَقِيلَ: كَانَ تَحْتَ يَدِهَا أَرْبَعُمِائَةِ مَلِكٍ، كُلُّ مَلِكٍ مِنْهُمْ عَلَى كُورَةٍ، مَعَ كُلِّ مَلِكٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ، وَكَانَ لَهَا ثَلَاثُمِائَةِ وَزِيرٍ يَتَدَبَّرُونَ مُلْكَهَا، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ قَائِدًا يَقُودُ كُلُّ قَائِدٍ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>