للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَرْبَرُ قَدْ طَمِعُوا فِي الْبِلَادِ بَعْدَ مَسِيرِ حَسَّانَ، فَلَمَّا وَصَلَ مُوسَى عَزَلَ صَالِحًا، وَبَلَغَهُ أَنَّ بِأَطْرَافِ الْبِلَادِ قَوْمًا خَارِجِينَ عَنِ الطَّاعَةِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ، فَقَاتَلَهُمْ فَظَفِرَ بِهِمْ، وَسَبَى مِنْهُمْ أَلْفَ رَأْسٍ، وَسَيَّرَهُ فِي الْبَحْرِ إِلَى جَزِيرَةٍ مَيُورْقَةَ، فَنَهَبَهَا وَغَنِمَ مِنْهَا مَا لَا يُحْصَى وَعَادَ سَالِمًا، فَوَجَّهَ ابْنَهُ هَارُونَ إِلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى، فَظَفِرَ بِهِمْ وَسَبَى مِنْهُمْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَتَوَجَّهَ هُوَ بِنَفْسِهِ إِلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى، فَغَنِمَ نَحْوَ ذَلِكَ، فَبَلَغَ الْخُمُسُ سِتِّينَ أَلْفَ رَأْسٍ مِنَ السَّبْيِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّهُ سَمِعَ بِسَبْيٍ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا.

ثُمَّ إِنَّ إِفْرِيقِيَّةَ قَحَطَتْ وَاشْتَدَّ بِهَا الْغَلَاءُ، فَاسْتَسْقَى بِالنَّاسِ، وَخَطَبَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَلِيدَ، وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَذَا مَقَامٌ لَا يُدْعَى فِيهِ لِأَحَدٍ وَلَا يُذْكَرُ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَسُقِيَ النَّاسُ وَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ، ثُمَّ خَرَجَ غَازِيًا إِلَى طَنْجَةَ يُرِيدُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَقَدْ هَرَبُوا خَوْفًا مِنْهُ، فَتَبِعَهُمْ وَقَتَلَهُمْ قَتْلًا ذَرِيعًا حَتَّى بَلَغَ السُّوسَ الْأَدْنَى لَا يُدَافِعُهُ أَحَدٌ، فَاسْتَأْمَنَ الْبَرْبَرُ إِلَيْهِ وَأَطَاعُوهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى طَنْجَةَ مَوْلَاهُ طَارِقَ بْنَ زِيَادٍ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ صَدَفِيٌّ. وَجَعَلَ مَعَهُ جَيْشًا كَثِيفًا جُلُّهُمْ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَجَعَلَ مَعَهُمْ مَنْ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالْفَرَائِضَ، وَعَادَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ. فَمَرَّ بِقَلْعَةِ مِجَّانَةَ، فَتَحَصَّنَ أَهْلُهَا مِنْهُ وَتَرَكَ عَلَيْهَا مَنْ يُحَاصِرُهَا مَعَ بِشْرِ بْنِ فُلَانٍ، فَفَتَحَهَا، فَسُمِّيَتْ قَلْعَةُ بِشْرٍ إِلَى الْآنِ، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَبْقَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>