للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امْرَأَةٌ لِذَاهِرَ، فَخَافَتْ أَنْ تُؤْخَذَ، فَأَحْرَقَتْ نَفْسَهَا وَجَوَارِيَهَا وَجَمِيعَ مَالِهَا.

ثُمَّ سَارَ إِلَى بِرْهَمِنْابَاذَ الْعَتِيقَةَ، وَهِيَ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنَ الْمَنْصُورَةِ، وَلَمْ تَكُنِ الْمَنْصُورَةُ يَوْمَئِذٍ، كَانَ مَوْضِعُهَا غَيْضَةً، وَكَانَ الْمُنْهَزِمُونَ مِنَ الْكُفَّارِ بِهَا، فَقَاتَلُوهُ فَفَتَحَهَا مُحَمَّدُ عَنْوَةً، وَقَتَلَ بِهَا بَشَرًا كَثِيرًا وَخُرِّبَتْ.

وَسَارَ يُرِيدُ الرُّورَ وَبَغْرُورَ، فَلَقِيَهُ أَهْلُ سَاوَنْدَرَى فَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهُ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى بِسَمْدَ وَصَالَحَ أَهْلَهَا، وَوَصَلَ إِلَى الرُّورَ، وَهِيَ مِنْ مَدَائِنِ السِّنْدِ عَلَى جَبَلٍ، فَحَصَرَهُمْ شُهُورًا فَصَالَحُوهُ، وَسَارَ إِلَى السِّكَّةِ فَفَتَحَهَا، ثُمَّ قَطَعَ نَهْرَ بَيَاسَ إِلَى الْمُلْتَانِ، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا وَانْهَزَمُوا، فَحَصَرَهُمْ مُحَمَّدُ، فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ وَدَلَّهُ عَلَى قَطْعِ الْمَاءِ الَّذِي يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ فَقَطَعَهُ، فَعَطِشُوا فَأَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ وَسَدَنَةَ الْبُدِّ، وَهُمْ سِتَّةُ آلَافٍ، وَأَصَابُوا ذَهَبًا كَثِيرًا، فَجُمِعَ فِي بَيْتٍ طُولُهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ كُوَّةٍ فِي وَسَطِهِ، فَسُمِّيَتِ الْمُلْتَانَ: فَرْجُ بَيْتِ الذَّهَبِ، وَالْفَرْجُ الثَّغْرُ، وَكَانَ بُدُّ الْمُلْتَانِ تُهْدَى إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ، وَيُحَجُّ مِنَ الْبِلَادِ، وَيَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ وَلِحَاهُمْ عِنْدَهُ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ صَنَمَهُ هُوَ أَيُّوبُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَعَظُمَتْ فُتُوحُهُ، وَنَظَرَ الْحَجَّاجُ فِي النَّفَقَةِ عَلَى ذَلِكَ الثَّغْرِ، فَكَانَتْ سِتِّينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنَظَرَ فِي الَّذِي حُمِلَ فَكَانَ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفٍ، فَقَالَ: رَبِحْنَا سِتِّينَ أَلْفًا، وَأَدْرَكْنَا ثَأْرَنَا وَرَأْسَ ذَاهِرَ.

ثُمَّ مَاتَ الْحَجَّاجُ، وَنَذْكُرُ أَمْرَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ مَوْتِ الْحَجَّاجِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ نُصَيْرٌ وَالِدُهُ عَلَى حَرَسِ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا سَارَ مُعَاوِيَةُ إِلَى صِفِّينَ لَمْ يَسِرْ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْمَسِيرِ مَعِي إِلَى قِتَالِ عَلِيٍّ وَيَدِي عِنْدَكَ مَعْرُوفَةٌ؟ فَقَالَ لَا أُشْرِكُكَ بِكُفْرِ مَنْ أَوْلَى بِالشُّكْرِ مِنْكَ، وَهُوَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. فَسَكَتَ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ.

فَوَصَلَ مُوسَى إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَبِهَا صَالِحٌ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ حَسَّانُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>