وَكَانَتْ تَدُورُ، وَالْبُدُّ صَنَمٌ فِي بِنَاءٍ عَظِيمٍ، تَحْتَ مَنَارَةٍ عَظِيمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ، وَفِي رَأْسِ الْمَنَارَةِ هَذَا الدَّقَلُ، وَكُلُّ مَا يُعْبَدُ فَهُوَ عِنْدَهُمْ بُدٌّ.
فَحَصَرَهَا وَطَالَ حِصَارُهَا، فَرَمَى الدَّقَلَ بِحَجْرِ الْعَرُوسِ فَكَسَرَهُ، فَتَطَيَّرَ الْكُفَّارُ بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا أَتَى وَنَاهَضَهُمْ وَقَدْ خَرَجُوا إِلَيْهِ، فَهَزَمَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمْ إِلَى الْبَلَدِ، وَأَمَرَ بِالسَّلَالِيمِ فَنُصِبَتْ، وَصَعِدَ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَكَانَ أَوَّلَهُمْ صُعُودًا رَجُلٌ مِنْ مُرَادٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَفُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَتَلَ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَهَرَبَ عَامِلُ ذَاهِرَ عَنْهَا، وَأَنْزَلَهَا مُحَمَّدٌ أَرْبَعَةَ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَبَنَى جَامِعَهَا، وَسَارَ عَنْهَا إِلَى الْبِيرُونَ، وَكَانَ أَهْلُهَا بَعَثُوا إِلَى الْحَجَّاجِ فَصَالَحُوهُ، فَلَقُوا مُحَمَّدًا بِالْمِيرَةِ وَأَدْخَلُوهُ مَدِينَتَهُمْ، وَسَارَ عَنْهَا وَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِمَدِينَةٍ إِلَّا فَتَحَهَا حَتَّى عَبَرَ نَهْرًا دُونَ مِهْرَانَ، فَأَتَاهُ أَهْلُ سَرْبَيْدِسَ فَصَالَحُوهُ، وَوَظَّفَ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ وَسَارَ عَنْهُمْ إِلَى سَهْبَانَ فَفَتَحَهَا، ثُمَّ سَارَ إِلَى نَهْرِ مِهْرَانَ فَنَزَلَ فِي وَسَطِهِ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُ ذَاهِرَ، فَاسْتَعَدَّ لِمُحَارَبَتِهِ، وَبَعَثَ جَيْشًا إِلَى سَدُوسْتَانَ، فَطَلَبَ أَهْلُهَا الْأَمَانَ وَالصُّلْحَ، فَآمَنَهُمْ وَوَظَّفَ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ، ثُمَّ عَبَرَ مُحَمَّدٌ مِهْرَانَ مِمَّا يَلِي بِلَادَ رَاسِلَ الْمَلِكِ عَلَى جِسْرٍ عَقَدَهُ، وَذَاهِرُ مُسْتَخِفٌّ بِهِ، فَلَقِيَهُ مُحَمَّدُ وَالْمُسْلِمُونَ وَهُوَ عَلَى فِيلٍ وَحَوْلَهُ الْفِيَلَةُ، وَمَعَهُ التَّكَاكِرَةُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَتَرَجَّلَ ذَاهِرُ، فَقُتِلَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، ثُمَّ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ، وَقَتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ كَيْفَ شَاءُوا، وَقَالَ قَاتِلُهُ:
الْخَيْلُ تَشْهَدُ يَوْمَ ذَاهِرَ وَالْقَنَا وَمُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ أَنِّي فَرَجْتُ الْجَمْعَ غَيْرَ مُعَرِّدٍ حَتَّى عَلَوْتُ عَظِيمَهُمْ بِمُهَنَّدِ فَتَرَكْتُهُ تَحْتَ الْعَجَاجِ مُجَنْدَلًا مَتَعَفِّرَ الْخَدَّيْنِ غَيْرَ مُوَسَّدِ فَلَمَّا قُتِلَ ذَاهِرُ غَلَبَ مُحَمَّدُ عَلَى بِلَادِ السِّنْدِ، وَفَتَحَ مَدِينَةَ رَاوَرَ عَنْوَةً، وَكَانَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute