للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَهُ بُنْبَانُ ثَمَانِيَةُ أَعْوَامٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ) أَرَوَى سَبْعَ سِنِينَ.

وَكَانَ فِي دَوْلَتِهِ قَحْطٌ شَدِيدٌ حَتَّى كَادَتْ بِلَادُ الْأَنْدَلُسِ تَخْرَبُ لِشِدَّةِ الْجُوعِ.

ثُمَّ بَعْدَهُ أَبْقَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ جَائِرًا مَذْمُومًا، ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ غِيطْشَةَ، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ لِلْهِجْرَةِ، وَكَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ لَيِّنَ الْعَرِيكَةِ وَأَطْلَقَ كُلَّ مَحْبُوسٍ كَانَ فِي سِجْنِ أَبِيهِ، وَأَدَّى الْأَمْوَالَ إِلَى أَرْبَابِهَا.

ثُمَّ تُوُفِّيَ وَخَلَفَ وَلَدَيْنِ، فَلَمْ يَرْضَ بِهِمَا أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ، وَتَرَاضَوْا بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ رُذَرِيقُ، وَكَانَ شُجَاعًا وَلَيْسَ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ، وَكَانَتْ عَادَةُ مُلُوكِ الْأَنْدَلُسِ أَنَّهُمْ يَبْعَثُونَ أَوْلَادَهُمُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ إِلَى مَدِينَةِ طُلَيْطِلَةَ يَكُونُونَ فِي خِدْمَةِ الْمَلِكِ، لَا يَخْدُمُهُ غَيْرُهُمْ يَتَأَدَّبُونَ بِذَلِكَ، فَإِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ أَنْكَحَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَتَوَلَّى تَجْهِيزَهُمْ، فَلَمَّا وَلِيَ رُذَرِيقُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يُولْيَانُ، وَهُوَ صَاحِبُ الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ وَسَبْتَةَ وَغَيْرِهِمَا، ابْنَةً لَهُ، فَاسْتَحْسَنَهَا رُذَرِيقُ وَافْتَضَّهَا، فَكَتَبَتْ إِلَى أَبِيهَا، فَأَغْضَبَهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ عَامِلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ بِالطَّاعَةِ، وَاسْتَدْعَاهُ إِلَيْهِ، فَسَارَ إِلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ يُولْيَانُ مَدَائِنَهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعُهُودَ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ بِمَا يَرْضَى بِهِ، ثُمَّ وَصَفَ لَهُ الْأَنْدَلُسَ وَدَعَاهُ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ آخِرُ سِنَةِ تِسْعِينَ.

فَكَتَبَ مُوسَى إِلَى الْوَلِيدِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ يُولْيَانُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ: خُضْهَا بِالسَّرَايَا، وَلَا تُغَرِّرْ بِالْمُسْلِمِينَ فِي بَحْرٍ شَدِيدِ الْأَهْوَالِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُوسَى: إِنَّهُ لَيْسَ بِبَحْرٍ مُتَّسِعٍ، وَإِنَّمَا هُوَ خَلِيجٌ يَبِينُ مَا وَرَاءَهُ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ أَنِ اخْتَبِرْهَا بِالسَّرَايَا، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا حَكَيْتَ.

فَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ مَوَالِيهِ يُقَالُ لَهُ طَرِيفٌ فِي أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ، فَسَارَ فِي أَرْبَعِ سَفَائِنَ، فَخَرَجَ فِي جَزِيرَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ، فَسُمِّيَتْ جَزِيرَةُ طَرِيفٍ لِنُزُولِهِ فِيهَا، ثُمَّ أَغَارَ عَلَى الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ، فَأَصَابَ غَنِيمَةً كَثِيرَةً، وَرَجَعَ سَالِمًا فِي رَمَضَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ تَسَرَّعُوا إِلَى الْغَزْوِ.

ثُمَّ إِنَّ مُوسَى دَعَا مَوْلًى لَهُ كَانَ عَلَى مُقَدِّمَاتِ جُيُوشِهِ يُقَالُ لَهُ طَارِقُ بْنُ زِيَادٍ، فَبَعَثَهُ فِي سَبْعَةِ آلَافٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُهُمُ الْبَرْبَرُ وَالْمُوَالِي وَأَقَلُّهُمُ الْعَرَبُ، فَسَارُوا فِي الْبَحْرِ، وَقَصَدَ إِلَى جَبَلٍ مُنِيفٍ، وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِالْبَرِّ فَنَزَلَهُ، فَسُمِّيَ الْجَبَلُ جَبَلَ طَارِقٍ إِلَى الْيَوْمِ، وَلَمَّا مَلَكَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ الْبِلَادَ أَمَرَ بِبِنَاءِ مَدِينَةٍ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَسَمَّاهُ جَبَلَ الْفَتْحِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ هَذَا الِاسْمُ وَجَرَتِ الْأَلْسِنَةُ عَلَى الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>