فَسَاءَهُ ذَلِكَ وَمَطَلَ الرَّسُولَ، وَهُوَ يَقْصِدُ بِلَادَ الْعَدُوِّ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الصَّنَمِ، يَقْتُلُ، وَيَسْبِي، وَيَهْدِمُ الْكَنَائِسَ، وَيُكَسِّرُ النَّوَاقِيسَ، حَتَّى بَلَغَ صَخْرَةَ بِلَايْ عَلَى الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ، وَهُوَ فِي قُوَّةٍ وَظُهُورٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولٌ آخَرُ لِلْوَلِيدِ يَسْتَحِثُّهُ، وَأَخَذَ بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ وَأَخْرَجَهُ، وَكَانَ مُوَافَاةُ الرَّسُولِ بِمَدِينَةٍ لَكَّ بِجِلِّيقِيَّةَ، وَخَرَجَ عَلَى الْفَجِّ الْمَعْرُوفِ بِفَجِّ مُوسَى، وَوَافَاهُ طَارِقٌ مِنَ الثَّغْرِ الْأَعْلَى، فَأَقْفَلَهُ مَعَهُ وَمَضَيَا جَمِيعًا.
وَاسْتَخْلَفَ مُوسَى عَلَى الْأَنْدَلُسِ ابْنَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُوسَى، فَلَمَّا عَبَرَ الْبَحْرَ إِلَى سَبْتَهَ اسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا وَعَلَى طَنْجَةَ وَمَا وَالَاهُمَا ابْنَهُ عَبْدَ الْمَلِكِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَأَعْمَالِهَا ابْنَهُ الْكَبِيرَ عَبْدَ اللَّهِ، وَسَارَ إِلَى الشَّامِ، وَحَمَلَ الْأَمْوَالَ الَّتِي غُنِمَتْ مِنَ الْأَنْدَلُسِ وَالذَّخَائِرَ وَالْمَائِدَةَ، وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ أَلْفَ بِكْرٍ مِنْ بَنَاتِ مُلُوكِ الْقُوطِ وَأَعْيَانِهِمْ، وَمِنْ نَفِيسِ الْجَوْهَرِ وَالْأَمْتِعَةِ مَا لَا يُحْصَى، فَوَرَدَ الشَّامَ، وَقَدْ مَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَاسْتُخْلِفَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ مُنْحَرِفًا عَنْ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ، فَعَزَلَهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ، وَأَقْصَاهُ وَحَبَسَهُ وَأَغْرَمَهُ حَتَّى احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ الْعَرَبَ فِي مَعُونَتِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ قَدِمَ الشَّامَ وَالْوَلِيدُ حَيٌّ، وَكَانَ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَتَحَ الْأَنْدَلُسَ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْمَائِدَةِ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ عَرَضَ عَلَيْهِ مَا مَعَهُ وَعَرْضَ الْمَائِدَةَ، وَمَعَهُ طَارِقٌ، فَقَالَ طَارِقٌ: أَنَا غَنِمْتُهَا. فَكَذَّبَهُ مُوسَى. فَقَالَ طَارِقٌ لِلْوَلِيدِ: سَلْهُ عَنْ رِجْلِهَا الْمَعْدُومَةِ. فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ، فَأَظْهَرَهَا طَارِقٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخْفَاهَا لِهَذَا السَّبَبِ. فَعَلِمَ الْوَلِيدُ صِدْقَ طَارِقٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ حَبَسَهُ وَضَرَبَهُ حَتَّى أَرْسَلَ الْوَلِيدُ فَأَخْرَجَهُ، وَقِيلَ: لَمْ يَحْبِسْهُ.
قَالُوا: وَلَمَّا دَخَلَتِ الرُّومُ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ كَانَ فِي مَمْلَكَتِهِمْ بَيْتٌ إِذَا وَلِيَ مَلِكٌ مِنْهُمْ أَقْفَلَ عَلَيْهِ قُفْلًا، فَلَمَّا مَلَكَتِ الْقُوطُ فَعَلُوا كَفِعْلِهِمْ، فَلَمَّا مَلَكَ رُذَرِيقُ أَرَادَ فَتْحَ الْأَقْفَالِ، فَنَهَاهُ أَكَابِرُ أَهْلِ الْبِلَادِ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ، وَفَتَحَ الْأَقْفَالَ، فَرَأَى فِي الْبَيْتِ صُوَرَ الْعَرَبِ وَعَلَيْهِمُ الْعَمَائِمُ الْحُمْرُ عَلَى خُيُولٍ شُهُبٍ، وَفِيهِ كِتَابٌ: إِذَا فُتِحَ هَذَا الْبَيْتُ دَخَلَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هَذَا الْبَلَدَ. فَفُتِحَتِ الْأَنْدَلُسُ تِلْكَ السَّنَةَ.
فَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي فَتْحِ الْأَنْدَلُسِ، وَنَذْكُرُ بَاقِيَ أَخْبَارِ الْأَنْدَلُسِ عِنْدَ أَوْقَاتِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا شَرَطْنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute