للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ غَزْوَةِ جَزِيرَةِ سَرْدَانِيَّةَ

هَذِهِ الْجَزِيرَةُ فِي بَحْرِ الرُّومِ، وَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْجَزَائِرِ مَا عَدَا جَزِيرَةَ صِقِلِّيَةَ وَأَقْرِيطِشَ، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْفَوَاكِهِ، وَلَمَّا فَتَحَ مُوسَى بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ سَيَّرَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ فِي الْبَحْرِ إِلَى هَذِهِ الْجَزِيرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ، فَدَخَلُوهَا، وَعَمَدَ النَّصَارَى إِلَى مَالِهِمْ مِنْ آنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَأَلْقَوُا الْجَمِيعَ فِي الْمِينَاءِ الَّذِي لَهُمْ، وَجَعَلُوا أَمْوَالَهُمْ فِي سَقْفٍ بَنَوْهُ لِلْبَيْعَةِ الْعُظْمَى الَّتِي لَهُمْ تَحْتَ السَّقْفِ الْأَوَّلِ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ فِيهَا مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُوصَفُ، وَأَكْثَرُوا الْغُلُولَ. فَاتَّفَقَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اغْتَسَلَ فِي الْمِينَاءِ، فَعَلِقَتْ رِجْلُهُ فِي شَيْءٍ، فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا صَحْفَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى تِلْكَ الْكَنِيسَةِ، فَنَظَرَ إِلَى حَمَامٍ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَخْطَأَهُ، وَوَقَعَ فِي السَّقْفِ، وَانْكَسَرَ لَوْحٌ، فَنَزَلَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَأَخَذُوا الْجَمِيعَ، وَازْدَادَ الْمُسْلِمُونَ غُلُولًا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَذْبَحُ الْهِرَّةَ وَيَرْمِي مَا فِي جَوْفِهَا فَيَمْلَأُهُ دَنَانِيرَ وَيَخِيطُ عَلَيْهَا وَيُلْقِيهَا فِي الطَّرِيقِ، فَإِذَا خَرَجَ أَخَذَهَا، وَكَانَ يَضَعُ قَائِمَ سَيْفِهِ عَلَى الْجَفْنِ، وَيَمْلَأَهُ ذَهَبًا.

فَلَمَّا رَكِبُوا فِي الْبَحْرِ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ غَرِّقْهُمْ، فَغَرِقُوا عَنْ آخِرِهِمْ، فَوَجَدُوا أَكْثَرَ الْغَرْقَى وَالدَّنَانِيرُ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ.

[سَنَةَ ١٣٥ هـ]

وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ غَزَاهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ الْفِهْرِيُّ، فَقَتَلَ مَنْ بِهَا قَتْلًا ذَرِيعًا، ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، فَأُخِذَتْ مِنْهُمْ وَبَقِيَتْ وَلَمْ يَغْزُهَا بَعْدَهُ أَحَدٌ، فَعَمَّرَهَا الرُّومُ.

[سَنَةَ ٣٢٣ هـ]

فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، أَخْرَجَ إِلَيْهَا الْمَنْصُورُ بْنُ الْقَائِمِ الْعَلَوِيُّ، صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ أُسْطُولًا مِنَ الْمَهْدِيَّةِ، فَمَرُّوا بِجِنْوَةَ، فَفَتَحُوا الْمَدِينَةَ، وَأَوْقَعُوا بِأَهْلٍ سَرْدَانِيَّةَ وَسَبَوْا فِيهَا، وَأَحْرَقُوا مَرَاكِبَ كَثِيرَةً، وَأَخْرَبُوا جِنْوَةَ وَغَنِمُوا مَا فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>