فَقَالُوا: مَا قَتَلْتُمْ إِلَّا ابْنَ مَلِكٍ أَوْ عَظِيمًا أَوْ بَطَلًا، كَانَ الرَّجُلُ يُعَدُّ بِمِائَةِ رَجُلٍ، وَكَتَبْنَا أَسْمَاءَهُمْ عَلَى آذَانِهِمْ، ثُمَّ دَخَلْنَا الْعَسْكَرَ حِينَ أَصْبَحْنَا، فَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْنَا بِهِ مِنَ الْقَتْلَى وَالْأَسْرَى وَالْخَيْلِ وَمَنَاطِقِ الذَّهَبِ وَالسِّلَاحِ، قَالَ: وَأَكْرَمَنِي قُتَيْبَةُ وَأَكْرَمَ مَعِي جَمَاعَةً، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ رَأَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي رَأَى مِنِّي.
وَلَمَّا رَأَى الصُّغْدُ ذَلِكَ انْكَسَرُوا، وَنَصَبَ قُتَيْبَةُ عَلَيْهِمُ الْمَجَانِيقَ فَرَمَاهُمْ وَثَلَمَ ثُلْمَةً، فَقَامَ عَلَيْهَا رَجُلٌ شَتَمَ قُتَيْبَةَ، فَرَمَاهُ بَعْضُ الرُّمَاةِ فَقَتَلَهُ، فَأَعْطَاهُ قُتَيْبَةُ عَشَرَةَ آلَافٍ. وَسَمِعَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ قُتَيْبَةَ وَهُوَ يَقُولُ كَأَنَّمَا يُنَاجِي نَفْسَهُ: حَتَّى مَتَى يَا سَمَرْقَنْدُ يُعَشِّشُ فِيكِ الشَّيْطَانُ؟ أَمَّا وَاللَّهِ [لَئِنْ] أَصْبَحْتُ لَأُحَاوِلَنَّ مِنْ أَهْلِكِ أَقْصَى غَايَةٍ. فَانْصَرَفَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كَمْ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ غَدًا! وَأَخْبَرَ الْخَبَرَ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ قُتَيْبَةُ أَمَرَ النَّاسَ بِالْجِدِّ فِي الْقِتَالِ، فَقَاتَلُوهُمْ وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَأَمَرَهُمْ قُتَيْبَةُ أَنْ يَبْلُغُوا ثُلْمَةَ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلُوا التِّرَسَةَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَحَمَلُوا، فَبَلَغُوهَا وَوَقَفُوا عَلَيْهَا، وَرَمَاهُمُ الصُّغْدُ بِالنُّشَّابِ فَلَمْ يَبْرَحُوا. فَأَرْسَلَ الصُّغْدُ إِلَى قُتَيْبَةَ فَقَالُوا لَهُ: انْصَرِفْ عَنَّا الْيَوْمَ حَتَّى نُصَالِحَكَ غَدًا. فَقَالَ قُتَيْبَةُ: لَا نُصَالِحُهُمْ إِلَّا وَرِجَالُنَا عَلَى الثُّلْمَةِ، وَقِيلَ: بَلْ قَالَ قُتَيْبَةُ: جَزِعَ الْعَبِيدُ، انْصَرِفُوا عَلَى ظَفَرِكُمْ، فَانْصَرَفُوا فَصَالَحَهُمْ مِنَ الْغَدِ عَلَى أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ مِثْقَالٍ فِي كُلِّ عَامٍ، وَأَنْ يُعْطُوهُ تِلْكَ السَّنَةَ ثَلَاثِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَأَنْ يُخْلُوا الْمَدِينَةَ لِقُتَيْبَةَ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا مُقَاتِلٌ، فَيَبْنِي فِيهَا مَسْجِدًا، وَيَدْخُلُ وَيُصَلِّي وَيَخْطُبُ وَيَتَغَدَّى وَيَخْرُجُ.
فَلَمَّا تَمَّ الصُّلْحُ وَأَخْلَوُا الْمَدِينَةَ وَبَنَوُا الْمَسْجِدَ دَخَلَهَا قُتَيْبَةُ فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ انْتَخَبَهُمْ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِيهِ وَخَطَبَ، وَأَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى الصُّغْدِ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ فَلْيَأْخُذْ فَإِنِّي لَسْتُ خَارِجًا مِنْهَا وَلَسْتُ آخُذُ مِنْكُمْ إِلَّا مَا صَالَحْتُكُمْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ الْجُنْدَ يُقِيمُونَ فِيهَا.
وَقِيلَ: إِنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِمْ فِي الصُّلْحِ مِائَةَ أَلْفِ فَارِسٍ، وَبُيُوتَ النِّيرَانِ وَحِلْيَةَ الْأَصْنَامِ، فَقَبَضَ ذَلِكَ، وَأُتِيَ بِالْأَصْنَامِ فَكَانَتْ كَالْقَصْرِ الْعَظِيمِ، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَأُحْرِقَتْ. فَجَاءَهُ غَوْزَكُ فَقَالَ: إِنْ شُكْرَكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، لَا تَتَعَرَّضْ لِهَذِهِ الْأَصْنَامِ، فَإِنَّ مِنْهَا أَصْنَامًا مَنْ أَحْرَقَهَا هَلَكَ. فَقَالَ قُتَيْبَةُ: أَنَا أَحْرِقُهَا بِيَدِي، فَدَعَا بِالنَّارِ فَكَبَّرَ، ثُمَّ أَشْعَلَهَا فَاحْتَرَقَتْ، فَوَجَدُوا مِنْ بَقَايَا مَسَامِيرِ الذَّهَبِ خَمْسِينَ أَلْفَ مِثْقَالٍ.
وَأَصَابَ بِالصُّغْدِ جَارِيَةً مِنْ وَلَدِ يَزْدِجَرْدَ، فَأَرْسَلَهَا إِلَى الْحَجَّاجِ، فَأَرْسَلَهَا الْحَجَّاجُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute