ذِكْرُ فَتْحِ طُلَيْطِلَةَ مِنَ الْأَنْدَلُسِ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَضِبَ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ عَلَى مَوْلَاهُ طَارِقٍ فَسَارَ إِلَيْهِ فِي رَجَبٍ مِنْهَا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُوسَى، وَعَبَرَ مُوسَى إِلَى طَارِقٍ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَتَلَقَّاهُ وَتَرَضَّاهُ، فَرَضِيَ عَنْهُ، وَقَبِلَ عُذْرَهُ، وَسَيَّرَهُ إِلَى طُلَيْطِلَةَ، وَهِيَ مِنْ عِظَامِ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ، وَهِيَ مِنْ قُرْطُبَةَ عَلَى عِشْرِينَ يَوْمًا، فَفَتَحَهَا وَأَصَابَ فِيهَا مَائِدَةَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ.
قُلْتُ: لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ مِنْ فَتْحِ الْأَنْدَلُسِ وَدُخُولِ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ إِلَى طَارِقٍ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ مُوسَى هُوَ الَّذِي سَيَّرَ طَارِقًا وَهُوَ بِالْأَنْدَلُسِ، فَفَتَحَ مَدِينَةَ طُلَيْطِلَةَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ فِي تَوَارِيخِهِمْ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
ذِكْرُ عَزْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْحِجَازِ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ الْوَلِيدُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ يُخْبِرُهُ بِعَسْفِ الْحَجَّاجِ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَاعْتِدَائِهِ عَلَيْهِمْ وَظُلْمِهِ لَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَجَّاجَ فَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ: إِنَّ مَنْ عِنْدِي مِنَ الْمُرَّاقِ وَأَهْلِ الشِّقَاقِ قَدْ جَلَوْا عَنِ الْعِرَاقِ وَلَحِقُوا بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ وَهَنٌ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ يَسْتَشِيرُهُ فِيمَنْ يُوَلِّيهِ الْمَدِينَةَ وَمَكَّةَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ، فَوَلَّى خَالِدًا مَكَّةَ، وَعُثْمَانَ الْمَدِينَةَ، وَعَزَلَ عُمَرَ عَنْهُمَا.
فَلَمَّا خَرَجَ عُمَرُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ الْمَدِينَةُ، يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَنْفِي خَبَثَهَا» .
وَكَانَ عَزْلُهُ عَنْهَا فِي شَعْبَانَ، وَلَمَّا قَدِمَ خَالِدٌ مَكَّةَ أَخْرَجَ مَنْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ كَرْهًا، وَتَهَدَّدَ مَنْ أَنْزَلَ عِرَاقِيًّا أَوْ أَجَّرَهُ دَارًا، وَاشْتَدَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَسَفَهُمْ وَجَارَ فِيهِمْ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ إِنْزَالِ عِرَاقِيٍّ، وَكَانُوا أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كُلُّ مَنْ خَافَ الْحَجَّاجَ لَجَأَ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute