فَنُعْطِيهِ عَلَى بَلَائِهِ. فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَعْطِنِي عَلَى بَلَائِي. قَالَ: وَمَا بَلَاؤُكَ؟ قَالَ: قَتَلْتُ الْحُسَيْنَ. قَالَ: كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: دَسَرْتُهُ بِالرُّمْحِ دَسْرًا، وَهَبَرْتُهُ بِالسَّيْفِ هَبْرًا، وَمَا أَشْرَكْتُ مَعِيَ فِي قَتْلِهِ أَحَدًا. قَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَجْتَمِعُ أَنْتَ وَهُوَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ: اخْرُجْ! وَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا.
قِيلَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ أَسْلَمَ بْنِ عَبْدٍ الْبِكْرِيِّ بِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُ، فَأَحْضَرَهُ الْحَجَّاجُ وَقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ غَائِبٌ وَأَنْتَ حَاضِرٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] الْآيَةَ، وَالَّذِي بَلَغَهُ عَنِّي بَاطِلٌ، فَاكْتُبْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنِّي أَعُولُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ امْرَأَةً وَهُنَّ بِالْبَابِ، فَأَحْضَرَهُنَّ، فَهَذِهِ أُمُّهُ، وَهَذِهِ عَمَّتُهُ وَزَوْجَتُهُ وَابْنَتُهُ، وَكَانَ فِي آخِرِهِنَّ جَارِيَةٌ قَارَبَتْ عَشْرَ سِنِينَ. فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنْتِ مِنْهُ؟ قَالَتِ: ابْنَتُهُ، أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ! ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ:
أَحَجَّاجُ لَمْ تَشْهَدْ مَقَامَ بَنَاتِهِ ... وَعَمَّاتِهِ يَنْدُبْنَهُ اللَّيْلَ أَجْمَعَا
أَحَجَّاجُ لَمْ تَقْبَلْ بِهِ أَنْ قَتَلْتَهُ ... ثَمَانًا وَعَشْرًا وَاثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعَا
أَحَجَّاجُ مَنْ هَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ ... عَلَيْنَا فَمَهْلًا إِنْ تَزِدْنَا تَضَعْضُعَا
أَحَجَّاجُ إِمَّا أَنْ تَجُودَ بِنِعْمَةٍ
عَلَيْنَا وَإِمَّا أَنْ تُقَتِّلَنَا
مَعَا فَبَكَى الْحَجَّاجُ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَعَنْتُ الدَّهْرَ عَلَيْكُنَّ، وَلَا زِدْتُكُنَّ تَضَعْضُعَا.
وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِخَبَرِ الرَّجُلِ وَالْجَارِيَةِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ، فَأَحْسِنْ صِلَتَهُ، وَتَفَقَّدِ الْجَارِيَةَ. فَفَعَلَ.
وَقَالَ عَاصِمُ ابْنُ بَهْدَلَةَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: اتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، هَذَا وَاللَّهِ مَثْنَوِيَّةٌ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ لَيْسَ فِي مَثْنَوِيَّةٍ، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَخَرَجْتُمْ مِنْ هَذَا حَلَّتْ لِي دِمَاؤُكُمْ، وَلَا أَجِدُ أَحَدًا يَقْرَأُ عَلَيَّ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَلَأَحُكَّنَّهَا مِنَ الْمُصْحَفِ وَلَوْ بِضِلَعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute