فَقَدْتُ الْوَلِيدَ وَأَنْفًا لَهُ ... كَمِثْلِ الْفَصِيلِ بَدَا أَنْ يَبُولَا
وَلَمَّا دُلِّيَ فِي جِنَازَتِهِ جُمِعَتْ رُكْبَتَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ ابْنُهُ: أَعَاشَ أَبِي؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ فِيمَنْ دَفَنَهُ: عُوجِلَ وَاللَّهِ أَبُوكَ! وَاتَّعَظَ بِهِ عُمَرُ.
ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَةِ الْوَلِيدِ
وَكَانَ الْوَلِيدُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَفْضَلِ خَلَائِفِهِمْ، بَنَى الْمَسَاجِدَ، مَسْجِدَ دِمَشْقَ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، عَلَى سَاكِنِهَا السَّلَامُ، وَالْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَوَضَعَ الْمَنَائِرَ، وَأَعْطَى الْمُجَذَّمِينَ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ سُؤَالِ النَّاسِ، وَأَعْطَى كُلَّ مُقْعَدٍ خَادِمًا، وَكُلَّ ضَرِيرِ قَائِدًا، وَفَتَحَ فِي وِلَايَتِهِ فُتُوحًا عِظَامًا، مِنْهَا: الْأَنْدَلُسُ، وَكَاشْغَرَ، وَالْهِنْدَ.
وَكَانَ يَمُرُّ بِالْبَقَّالِ فَيَقِفُ عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ حُزْمَةَ بَقْلٍ فَيَقُولُ: بِكَمْ هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِفَلْسٍ. فَيَقُولُ: زِدْ فِيهَا.
وَكَانَ صَاحِبَ بِنَاءٍ وَاتِّخَاذِ الْمَصَانِعِ وَالضَّيَاعِ، وَكَانَ النَّاسُ يَلْتَقُونَ فِي زَمَانِهِ فَيَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنِ الْبِنَاءِ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ صَاحِبَ طَعَامٍ وَنِكَاحٍ، فَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنِ النِّكَاحِ وَالطَّعَامِ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَاحِبَ عِبَادَةٍ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنِ الْخَيْرِ مَا وِرْدُكَ اللَّيْلَةَ؟ وَكَمْ تَحْفَظُ مِنَ الْقُرْآنِ؟ وَكَمْ تَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ؟
وَمَرِضَ الْوَلِيدُ مَرْضَةً قَبْلَ وَفَاتِهِ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَبَقِيَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ، فَبَكَوْا عَلَيْهِ وَسَارَتِ الْبُرُدُ بِمَوْتِهِ، فَاسْتَرْجَعَ الْحَجَّاجُ وَشَدَّ فِي يَدِهِ حَبْلًا إِلَى أُسْطُوَانَةٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَيَّ مَنْ لَا رَحْمَةَ لَهُ، فَقَدْ طَالَ مَا سَأَلْتُكَ أَنْ تَجْعَلَ مَنِيَّتِي قَبْلَهُ! فَإِنَّهُ كَذَلِكَ يَدْعُو إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ الْبَرِيدُ بِإِفَاقَتِهِ. وَلَمَّا أَفَاقَ الْوَلِيدُ قَالَ: مَا أَحَدٌ أَشَدُّ سُرُورًا بِعَافِيَتِي مِنَ الْحَجَّاجِ، ثُمَّ لَمْ يَمُتْ حَتَّى ثَقُلَ الْحَجَّاجُ عَلَيْهِ.
وَكَانَ الْوَلِيدُ أَرَادَ أَنْ يَخْلَعَ أَخَاهُ سُلَيْمَانَ وَيُبَايِعَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَبَى سُلَيْمَانُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute