فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَّا الْحَجَّاجُ وَقُتَيْبَةُ وَخَوَاصٌّ مِنَ النَّاسِ، فَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَى سُلَيْمَانَ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ، فَأَبْطَأَ، فَعَزَمَ الْوَلِيدُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ لِيَخْلَعَهُ، وَأَخْرَجَ خِيَمَهُ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِ.
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدَ دِمَشْقَ كَانَ فِيهِ كَنِيسَةٌ، فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا مَسْجِدًا، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَكَوْا إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: إِنَّ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فُتِحَ عَنْوَةً، وَنَحْنُ نَرُدُّ عَلَيْكُمْ كَنِيسَتَكُمْ وَنَهْدِمُ كَنِيسَةَ تُومَا، فَإِنَّهَا فُتِحْتَ عَنْوَةً وَنَبْنِيهَا مَسْجِدًا. فَقَالُوا: بَلْ نَدَعُ لَكُمْ هَذَا وَدَعَوْا كَنِيسَةَ تُومَا.
وَكَانَ الْوَلِيدُ لَحَّانًا لَا يُحْسِنُ النَّحْوَ، دَخَلَ عَلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَمَتَّ إِلَيْهِ بِصِهْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَرَابَتِهِ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ: مَنْ خَتَنَكَ؟ بِفَتْحِ النُّونِ، وَظَنَّ الْأَعْرَابِيُّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخِتَانَ، فَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا يُرِيدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ خَتَنُكَ؟ وَضَمَّ النُّونَ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ فُلَانٌ، وَذَكَرَ خَتْنَهُ. وَعَاتَبَهُ أَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَلِي الْعَرَبَ إِلَّا مَنْ يُحْسِنُ كَلَامَهُمْ. فَجَمَعَ أَهْلَ النَّحْوِ، وَدَخَلَ بَيْتًا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ خَرَجَ وَهُوَ أَجْهَلُ مِنْهُ يَوْمَ دَخَلَ. فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَدْ أَعْذَرَ. فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ [كَانَ] يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي رَمَضَانَ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَخَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةُ، وَضَمَّ التَّاءَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: عَلَيْكَ وَأَرَاحَتْنَا مِنْكَ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَبَيْعَتِهِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ الْوَلِيدُ وَهُوَ بِالرَّمْلَةِ.
وَفِيهَا عَزَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عُثْمَانَ بْنَ حَيَّانَ عَنِ الْمَدِينَةِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا أَبَا بَكْرِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، وَكَانَ عُثْمَانُ قَدْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَجْلِدَ أَبَا بَكْرٍ وَيَحْلِقَ لِحْيَتَهُ مِنَ الْغَدِ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ جَاءَ الْبَرِيدُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِتَأْمِيرِهِ وَعَزْلِ عُثْمَانَ وَحَدِّهِ، [وَأَنْ] يُقَيِّدَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute