وَفِيهَا عَزَلَ سُلَيْمَانُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي مُسْلِمٍ عَنِ الْعِرَاقِ، وَاسْتَعْمَلَ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَجَعَلَ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْخَرَاجِ، وَأَمَرَهُ بِقَتْلِ بَنِي عَقِيلٍ وَبَسْطِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَجَّاجِ، فَكَانَ يُعَذِّبُهُمْ وَيَلِي عَذَابَهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمُهَلَّبِ، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ قَدِ اسْتَعْمَلَ أَخَاهُ زِيَادًا عَلَى حَرْبِ عُثْمَانَ.
ذِكْرُ مَقْتَلِ قُتَيْبَةَ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَاهِلِيِّ بِخُرَاسَانَ.
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَرَادَ أَنْ يَنْزِعَ أَخَاهُ سُلَيْمَانَ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ، وَيَجْعَلَ [بَدَلَهُ] ابْنَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ الْحَجَّاجُ وَقُتَيْبَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَلَمَّا مَاتَ الْوَلِيدُ وَوَلِيَ سُلَيْمَانُ خَافَهُ قُتَيْبَةُ، وَخَافَ أَنْ يُوَلِّيَ سُلَيْمَانُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ خُرَاسَانَ، فَكَتَبَ قُتَيْبَةُ إِلَى سُلَيْمَانَ كِتَابًا يُهَنِّئُهُ بِالْخِلَافَةِ وَيَذْكُرُ بَلَاءَهُ وَطَاعَتَهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَالْوَلِيدِ، وَأَنَّهُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَعْزِلْهُ عَنْ خُرَاسَانَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا آخَرَ يُعْلِمْهُ فِيهِ فُتُوحَهُ وَنِكَايَتَهُ، وَعِظَمَ قَدْرِهِ عِنْدَ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَهَيْبَتِهِ فِي صُدُورِهِمْ، وَعِظَمِ صَوْلَتِهِ فِيهِمْ، وَيَذُمُّ أَهْلَ الْمُهَلَّبِ، وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنِ اسْتَعْمَلَ يَزِيدَ عَلَى خُرَاسَانَ لَيَخْلَعَنَّهُ. وَكَتَبَ كِتَابًا ثَالِثًا فِيهِ خَلْعُهُ، وَبَعَثَ الْكُتُبَ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَاهِلَةَ، فَقَالَ لَهُ: ادْفَعِ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ إِلَيْهِ، فَإِنَّ كَانَ يَزِيدُ حَاضِرًا فَقَرَأَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَى يَزِيدَ فَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذَا الثَّانِي، فَإِنَّ قَرَأَهُ وَدَفَعَهُ إِلَى يَزِيدَ، فَادْفَعْ إِلَيْهِ هَذَا الثَّالِثَ، فَإِنْ قَرَأَ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إِلَى يَزِيدَ فَاحْبِسِ الْكِتَابَيْنِ الْآخَرَيْنِ.
فَقَدِمَ رَسُولُ قُتَيْبَةَ عَلَى سُلَيْمَانَ وَعِنْدَهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَى يَزِيدَ، فَدَفْعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ الْآخَرَ، فَقَرَأَهُ، وَأَلْقَاهُ إِلَى يَزِيدَ، فَأَعْطَاهُ الْكِتَابَ الثَّالِثَ، فَقَرَأَهُ، فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَتَمَهُ وَأَمْسَكَهُ بِيَدِهِ.
وَقِيلَ: كَانَ فِي الْكِتَابِ الثَّالِثِ: لَئِنْ لَمْ تُقِرَّنِي عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ وَتُؤَمِّنُنِي لَأَخْلَعَنَّكَ، وَلَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ رِجَالًا وَخَيْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute