عَمْرٍو، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ قُتَيْبَةَ، فَأَمَرَ قُتَيْبَةُ رَجُلًا فَنَادَى: أَيْنَ بَنُو عَامِرٍ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَقِّرُ بْنُ جَزْءٍ الْعَلَائِيُّ، وَهُوَ قَيْسِيٌّ أَيْضًا، وَكَانَ قُتَيْبَةُ قَدْ جَفَاهُمْ: نَادِهِمْ حَيْثُ وَضَعْتَهُمْ. قَالَ قُتَيْبَةُ: نَادِ: أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ. قَالَ مُحَقِّرٌ: أَنْتَ قَطَعْتَهَا. قَالَ: نَادِ: لَكُمُ الْعُتْبَى. قَالَ مُحَقِّرٌ: لَا أَقَالَنَا اللَّهُ إِذَنْ، فَقَالَ قُتَيْبَةُ عِنْدَ ذَلِكَ:
يَا نَفْسُ صَبْرًا عَلَى مَا كَانَ مِنْ أَلَمٍ ... إِذْ لَمْ أَجِدْ لِفُضُولِ الْعَيْشِ أَقْرَانَا
وَدَعَا بِبِرْذَوْنٍ لَهُ مُدَرَّبٍ لِيَرْكَبَهُ، فَجَعَلَ يَمْنَعُهُ حَتَّى أَعْيَا. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَادَ إِلَى سَرِيرِهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَقَالَ: دَعُوهُ، إِنَّ هَذَا أَمْرٌ يُرَادُ. وَجَاءَ حَيَّانُ النَّبَطِيُّ فِي الْعَجَمِ وَقُتَيْبَةُ وَاجِدٌّ عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَخُو قُتَيْبَةَ لَحَيَّانَ: احْمِلْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ حَيَّانُ: لَمْ يَأْنِ بَعْدُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: نَاوِلْنِي قَوْسِي. فَقَالَ حَيَّانُ: لَيْسَ هَذَا بِيَوْمِ قَوْسٍ. وَقَالَ حَيَّانُ لِابْنِهِ: إِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ حَوَّلْتُ قَلَنْسُوَتِي وَمَضَيْتُ نَحْوَ عَسْكَرِ وَكِيعٍ، فَمِلْ بِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْعَجَمِ إِلَيَّ.
فَلَمَّا حَوَّلَ حَيَّانُ قَلَنْسُوَتَهُ مَالَتِ الْأَعَاجِمُ إِلَى عَسْكَرِ وَكِيعٍ وَكَبَّرُوا. فَبَعَثَ قُتَيْبَةُ أَخَاهُ صَالِحًا إِلَى النَّاسِ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، وَقِيلَ: مِنْ بَلْعَمٍ، فَأَصَابَ رَأْسَهُ، فَحُمِلَ إِلَى قُتَيْبَةَ وَرَأْسُهُ مَائِلٌ، فَوُضِعَ فِي مُصَلَّاهُ، وَجَلَسَ قُتَيْبَةُ عِنْدَهُ سَاعَةً.
وَتَهَايَجَ النَّاسُ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو قُتَيْبَةَ نَحْوَهُمْ، فَرَمَاهُ أَهْلُ السُّوقِ وَالْغَوْغَاءِ فَقَتَلُوهُ، وَأَحْرَقَ النَّاسُ مَوْضِعًا كَانَتْ فِيهِ إِبِلٌ لِقُتَيْبَةَ وَدَوَابِّهِ، وَدَنَوْا مِنْهُ. فَقَاتَلَ عَنْهُ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ، فَقَالَ لَهُ قُتَيْبَةُ: انْجُ بِنَفْسِكَ. فَقَالَ: بِئْسَ مَا جَزَيْتُكَ إِذًا، وَقَدْ أَطْعَمْتَنِي الْجَرْدَقَ، وَأَلْبَسَتْنِي النَّرْمَقَ. وَجَاءَ النَّاسُ حَتَّى بَلَغُوا فُسْطَاطَهُ فَقَطَّعُوا أَطْنَابَهُ، وَجُرِحَ قُتَيْبَةُ جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، فَقَالَ جَهْمُ بْنُ زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ لِسَعْدٍ: انْزِلْ فَخُذْ رَأْسَهُ، فَنَزَلَ سَعْدٌ فَشَقَّ الْفُسْطَاطَ، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ، وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ إِخْوَتِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَصَالِحٌ، وَحَصِينٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute