للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ حِيلَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَرِّحْنِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَاكْتُمْ مَا أَخْبَرْتُكَ. وَكَتَبَ إِلَى سُلَيْمَانَ يُخْبِرُهُ بِحَالِ الْعِرَاقِ، وَأَثْنَى عَلَى ابْنِ الْأَهْتَمِ، وَذَكَرَ عِلْمَهُ بِهَا، وَسَيَّرَ ابْنَ الْأَهْتَمِ عَلَى الْبَرِيدِ.

فَأَتَى سُلَيْمَانَ وَاجْتَمَعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: إِنْ يَزِيدَ كَتَبَ إِلَيَّ يَذْكُرُ عِلْمَكَ بِالْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ، فَكَيْفَ عِلْمُكَ بِهَا؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَا، بِهَا وُلِدْتُ وَبِهَا نَشَأَتْ، وَلِي بِهَا وَبِأَهْلِهَا خَبَرٌ وَعِلْمٌ. قَالَ: فَأَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ أُوَلِّيهِ خُرَاسَانَ. قَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ بِمَنْ يُرِيدُ، فَإِنْ ذَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدًا أَخْبَرْتُهُ بِرَأْيِي فِيهِ. فَسَمَّى رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ رِجَالِ خُرَاسَانَ. قَالَ: فَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمُهَلَّبِ. قَالَ: لَا يَصْلُحُ فَإِنَّهُ يَصْبُوَا عَنْ هَذَا، فَلَيْسَ لَهُ مَكْرُ أَبِيهِ، وَلَا شَجَاعَةُ أَخِيهِ. حَتَّى عَدَّدَ رِجَالًا، وَكَانَ آخِرُ مَنْ ذَكَرَ وَكِيعُ بْنُ أَبِي سُودٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَكِيعٌ رَجُلٌ شُجَاعٌ صَارِمٌ رَئِيسٌ مِقْدَامٌ، وَمَا أَحَدٌ أَوْجَبُ شُكْرًا وَلَا أَعْظَمُ عِنْدِي يَدًا مِنْ وَكِيعٍ، لَقَدْ أَدْرَكَ بِثَأْرِي وَشَفَانِي مِنْ عَدُوِّي، وَلَكِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْظَمُ حَقًّا وَالنَّصِيحَةُ لَهُ تَلْزَمُنِي، إِنَّ وَكِيعًا لَمْ تَجْتَمِعْ لَهُ مِائَةُ عِنَانٍ قَطُّ إِلَّا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِغَدْرَةٍ، خَامِلٌ فِي الْجَمَاعَةِ ثَابِتٌ فِي الْفِتْنَةِ، قَالَ: مَا هُوَ مِمَّنْ تَسْتَعِينُ بِهِ، فَمَنْ لَهَا وَيْحَكَ؟ قَالَ: رَجُلٌ أَعْلَمُهُ لَمْ يُسِمِّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: فَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: لَا أَذْكُرُهُ حَتَّى يَضْمَنَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَتْرَ ذَلِكَ، وَأَنْ يُجِيرَنِي مِنْهُ إِنْ عَلِمَ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ. قَالَ: الْعِرَاقُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ خُرَاسَانَ. قَالَ ابْنُ الْأَهْتَمِ: قَدْ عَلِمْتُ وَلَكِنْ تُكْرِهُهُ فَيَسْتَخْلِفُ عَلَى الْعِرَاقِ وَيَسِيرُ. قَالَ: أَصَبْتَ الرَّأْيَ. فَكَتَبَ عَهْدَ يَزِيدَ عَلَى خُرَاسَانَ، وَسَيَّرَهُ مَعَ ابْنِ الْأَهْتَمِ، فَأَتَى يَزِيدَ بِهِ، فَأَمَرَهُ بِالْجِهَازِ لِلْمَسِيرِ سَاعَتَهُ، وَقَدَّمَ ابْنَهُ مَخْلَدًا إِلَى خُرَاسَانَ مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ سَارَ يَزِيدُ بَعْدَهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى وَاسِطَ الْجَرَّاحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيَّ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْبَصْرَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِلَالٍ الْكِلَابِيَّ، وَجَعَلَ أَخَاهُ مَرْوَانَ بْنَ الْمُهَلَّبِ عَلَى حَوَائِجِهِ وَأُمُورِهِ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ أَوْثَقَ إِخْوَتِهِ عِنْدَهُ، وَاسْتَخْلَفَ بِالْكُوفَةِ حَرْمَلَةَ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّخْمِيَّ أَشْهُرًا ثُمَّ عَزَلَهُ، وَوَلَّى بَشِيرَ بْنَ حَيَّانَ النَّهْدِيَّ.

وَكَانَتْ قَيْسُ تَزْعُمُ أَنَّ قُتَيْبَةَ لَمْ يَخْلَعْ، فَلَمَّا سَارَ يَزِيدُ إِلَى خُرَاسَانَ أَمَرَهُ سُلَيْمَانُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ قُتَيْبَةَ، فَإِنْ أَقَامَتْ قَيْسٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ قُتَيْبَةَ لَمْ يَخْلَعْ أَنْ يُقِيدَ وَكِيعًا بِهِ، وَلَمَّا وَصَلَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ مَرْوَ أَخَذَهُ، فَحَبَسَهُ وَعَذَّبَهُ، وَأَخَذَ أَصْحَابَهُ وَعَذَّبَهُمْ قَبْلَ قُدُومِ أَبِيهِ، وَكَانَتْ وِلَايَةُ وَكِيعٍ خُرَاسَانَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ قَدِمَ يَزِيدُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ خُرَاسَانَ فَأَدْنَى أَهْلَ الشَّامِ وَقَوْمًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ فِي ذَلِكَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>