وَإِنْ لَمْ يَرْضَ لَقِيَ مَا لَقِيَ قُتَيْبَةُ. فَبَعَثَ مَخْلَدٌ الْكِتَابَ إِلَى أَبِيهِ يَزِيدَ، فَأَغْرَمَهُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ مَسِيرِ يَزِيدَ إِلَى جُرْجَانَ أَنَّ صُولًا التُّرْكِيَّ كَانَ يَنْزِلُ قُهِسْتَانَ وَالْبُحَيْرَةَ، وَهِيَ جَزِيرَةٌ فِي الْبَحْرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قُهِسْتَانَ خَمْسَةُ فَرَاسِخَ، وَهُمَا مِنْ جُرْجَانَ مِمَّا يَلِي خُوَارَزْمَ، وَكَانَ يُغِيرُ عَلَى فَيْرُوزَ [بْنِ] قَوْلٍ مَرْزُبَانِ جُرْجَانَ، فَيُصِيبُ مِنْ بِلَادِهِ. فَخَافَهُ فَيْرُوزُ، فَسَارَ إِلَى يَزِيدَ بِخُرَاسَانَ وَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ قُدُومِهِ، فَقَالَ: خِفْتُ صُولًا فَهَرَبْتُ مِنْهُ، وَأَخَذَ صُولٌ جُرْجَانَ. فَقَالَ يَزِيدُ لِفَيْرُوزَ: هَلْ مِنْ حِيلَةٍ لِقِتَالِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، شَيْءٌ وَاحِدٌ إِنْ ظَفِرْتَ بِهِ قَتَلْتَهُ وَأَعْطَى بِيَدِهِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تَكْتُبُ إِلَى الْإِصْبَهْبَذِ كِتَابًا تَسْأَلُهُ فِيهِ أَنْ يَحْتَالَ لِصُولٍ حَتَّى يُقِيمَ بِجُرْجَانَ، وَاجْعَلْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا، فَإِنَّهُ يَبْعَثُ بِكِتَابِكَ إِلَى صُولٍ يَتَقَرَّبُ [بِهِ] إِلَيْهِ فَيَتَحَوَّلُ عَنْ جُرْجَانَ فَيَنْزِلُ الْبُحَيْرَةَ، وَإِنْ تَحَوَّلَ عَنْ جُرْجَانَ وَحَاصَرْتَهُ ظَفِرْتَ بِهِ. فَفَعَلَ يَزِيدُ ذَلِكَ، وَضَمِنَ لِلْإصْبَهْبَذَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ إِنْ هُوَ حَبَسَ صُولًا عَنِ الْبُحَيْرَةِ لِيُحَاصِرَهُ بِجُرْجَانَ، فَأَرْسَلَ الْإِصْبَهْبَذُ الْكِتَابَ إِلَى صُولٍ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ رَحَلَ إِلَى الْبُحَيْرَةِ لِيَتَحَصَّنَ بِهَا، وَبَلَغَ يَزِيدُ مَسِيرَهُ فَخَرَجَ إِلَى جُرْجَانَ وَمَعَهُ فَيْرُوزُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى خُرَاسَانَ ابْنَهُ مَخْلَدًا، وَعَلَى سَمَرْقَنْدَ وَكَشَّ وَنَسَفَ وَبُخَارَى ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ، وَعَلَى طَخَارِسْتَانَ حَاتِمَ بْنَ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَأَقْبَلَ حَتَّى أَتَى جُرْجَانَ، فَدَخَلَهَا وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهَا أَحَدٌ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى الْبُحَيْرَةِ فَحَصَرَ صُولًا بِهَا، فَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ صُولٌ فَيُقَاتِلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَأَصَابَهُمْ مَرَضٌ وَمَوْتٌ، فَأَرْسَلَ صُولٌ يَطْلُبُ الصُّلْحَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ أَهْلِهِ وَخَاصَّتِهِ، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ الْبُحَيْرَةَ، فَأَجَابَهُ يَزِيدُ، فَخَرَجَ بِمَالِهِ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِمَّنْ أَحَبَّ.
وَقَتْلَ يَزِيدُ مِنَ الْأَتْرَاكِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا صَبْرًا، وَأَطْلَقَ الْبَاقِينَ. وَطَلَبَ الْجُنْدُ أَرْزَاقَهُمْ، فَقَالَ لِإِدْرِيسَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْعَمِّيِّ: أَحْصِ لَنَا مَا فِي الْبُحَيْرَةِ حَتَّى نُعْطِيَ الْجُنْدَ. فَدَخَلَهَا إِدْرِيسُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِحْصَاءِ مَا فِيهَا، فَقَالَ لِيَزِيدَ: لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي ظُرُوفٍ، فَتُحْصَى الْجَوَالِيقُ وَيُعَلَّمُ مَا فِيهَا وَيُعْطَى الْجُنْدُ فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَرَفْنَا مَا أَخَذَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَالسِّمْسِمِ وَالْعَسَلِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَخَذُوا شَيْئًا كَثِيرًا، وَكَانَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَلَى خَزَائِنِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، فَرَفَعُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ خَرِيطَةً، فَسَأَلَهُ يَزِيدُ عَنْهَا، فَأَتَاهُ بِهَا فَأَعْطَاهَا شَهْرًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute