قَبْلِي فَقُمْتُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيَّ أَحَدٌ، وَلَمْ يَكْرَهْهُ غَيْرُكُمْ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ الرِّضَا بِكُلِّ مَنْ عَدَلَ وَأَنْصَفَ مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ، فَاتْرُكُونِي ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَإِنْ خَالَفْتُ الْحَقَّ وَرَغِبْتُ عَنْهُ; فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ.
قَالَا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَمْرٌ وَاحِدٌ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَا: رَأَيْنَاكَ خَالَفْتَ أَعْمَالَ أَهْلِ بَيْتِكَ، وَسَمَّيْتَهَا مَظَالِمَ، فَإِنْ كُنْتَ عَلَى هُدًى وَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَالْعَنْهُمْ وَابْرَأْ مِنْهُمْ. فَقَالَ عُمَرً: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ لَمْ تَخْرِجُوا طَلَبًا لِلدُّنْيَا، وَلَكِنَّكُمْ أَرَدْتُمُ الْآخِرَةَ، فَأَخْطَأْتُمْ طَرِيقَهَا، إِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَمْ يَبْعَثْ رَسُولَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَعَّانًا، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦] . وَقَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: ٩٠] . وَقَدْ سَمَّيْتُ أَعْمَالَهُمْ ظُلْمًا، وَكَفَى بِذَلِكَ ذَمًّا وَنَقْصًا، وَلَيْسَ لَعْنُ أَهْلِ الذُّنُوبِ فَرِيضَةً لَا بُدَّ مِنْهَا، فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّهَا فَرِيضَةٌ فَأَخْبِرْنِي مَتَى لَعَنْتَ فِرْعَوْنَ؟ قَالَ: مَا أَذْكُرُ مَتَى لَعَنْتُهُ. قَالَ: أَفَيَسَعُكَ أَنْ لَا تَلْعَنَ فِرْعَوْنَ وَهُوَ أَخْبَثُ الْخَلْقِ وَشَرُّهُمْ، وَلَا يَسَعُنِي أَنْ لَا أَلْعَنَ أَهْلَ بَيْتِي وَهُمْ مُصَلُّونَ صَائِمُونَ! قَالَ: أَمَا هُمْ كُفَّارٌ بِظُلْمِهِمْ؟ قَالَ: لَا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الْإِيمَانِ، فَكَانَ مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَبِشَرَائِعِهِ قَبِلَ مِنْهُ، فَإِنَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
فَقَالَ الْخَارِجِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا النَّاسَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِهِ. قَالَ عُمَرُ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: لَا أَعْمَلُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ عَلَى عِلْمٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ السَّفَاءُ. قَالَ عَاصِمٌ: فَابْرَأْ مِمَّا خَالَفَ عَمَلَكَ وَرُدَّ أَحْكَامَهُمْ. قَالَ عُمَرُ: أَخْبِرَانِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أَلَيْسَا عَلَى حَقٍّ؟ قَالَا: بَلَى. قَالَ: أَتَعْلَمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حِينَ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ سَفَكَ دِمَاءَهُمْ، وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، وَأَخَذَ الْأَمْوَالَ؟ قَالَا: بَلَى. قَالَ: أَتَعْلَمَانِ أَنَّ عُمَرَ رَدَّ السَّبَايَا بَعْدَهُ إِلَى عَشَائِرِهِمْ بِفِدْيَةٍ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ عُمَرُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ قَالَا: لَا. قَالَ: أَفَتَبْرَءُونَ أَنْتُمْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؟ قَالَا: لَا. قَالَ: فَأَخْبِرَانِي عَنْ أَهْلِ النَّهْرَوَانِ وَهُمْ أَسْلَافُكُمْ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ خَرَجُوا فَلَمْ يَسْفِكُوا دَمًا، وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا، وَأَنَّ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ وَجَارِيَتَهُ وَهِيَ حَامِلٌ؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ بَرِئَ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ مِمَّنْ قَتَلَ وَاسْتَعْرَضَ؟ قَالَا: لَا: أَفَتَبْرَءُونَ أَنْتُمْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ؟ (قَالَا: لَا) . قَالَ: أَفَيَسَعُكُمْ أَنْ تَتَوَلَّوْا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَهْلَ الْبَصْرَةِ وَأَهْلَ الْكُوفَةِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute