اخْتِلَافَ أَعْمَالِهِمْ، وَلَا يَسَعُنِي إِلَّا الْبَرَاءَةُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَالدِّينُ وَاحِدٌ! فَاتَّقُوا اللَّهَ! فَإِنَّكُمْ جُهَّالٌ، تَقْبَلُونَ مِنَ النَّاسِ مَا رَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ مَا قَبِلَ، وَيَأْمَنُ عِنْدَكُمْ مَنْ خَافَ عِنْدَهُ، وَيَخَافُ عِنْدَكُمْ مِنْ أَمْنِ عِنْدَهُ، فَإِنَّكُمْ يَخَافُ عِنْدَكُمْ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَكَانَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ آمِنًا وَحَقَنَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَهُ، وَيَأْمَنُ عِنْدَكُمْ سَائِرُ أَهْلِ الْأَدْيَانِ، فَتُحَرِّمُونَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ.
قَالَ الْيَشْكُرِيُّ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَلِيَ قَوْمًا وَأَمْوَالَهُمْ، فَعَدَلَ فِيهَا، ثُمَّ صَيَّرَهَا بَعْدَهُ إِلَى رَجُلٍ غَيْرِ مَأْمُونٍ، أَتَرَاهُ أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ تَرَاهُ قَدْ سَلِمَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَتُسَلِّمُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَى يَزِيدَ مِنْ بَعْدِكَ، وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ فِيهِ بِالْحَقِّ؟ قَالَ: إِنَّمَا وَلَّاهُ غَيْرِي وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ فِيهِ بَعْدِي. قَالَ: أَفْتَرَى ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ مَنْ وَلَّاهُ حَقًّا؟ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَنْظِرَانِي ثَلَاثًا.
فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ عَادَا إِلَيْهِ، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ. فَقَالَ عُمَرُ لِلْيَشْكُرِيِّ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا وَصَفْتَ، وَلَكِنِّي لَا أَفْتَاتُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَمْرٍ، اعْرِضْ عَلَيْهِمْ مَا قُلْتَ وَاعْلَمْ مَا حُجَّتُهُمْ.
فَأَمَّا عَاصِمٌ فَأَقَامَ عِنْدَ عُمَرَ، فَأَمَرَ لَهُ عُمَرُ بِالْعَطَاءِ، فَتُوُفِّيَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ: أَهْلَكَنِي أَمْرُ يَزِيدَ وَخُصِمْتُ فِيهِ، فَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
فَخَافَ بَنُو أُمَيَّةَ أَنْ يُخْرِجَ مَا بِأَيْدِيهمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَأَنْ يَخْلَعَ يَزِيدَ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ، فَوَضَعُوا عَلَى عُمَرَ مَنْ سَقَاهُ سُمًّا، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا ثَلَاثًا حَتَّى مَرِضَ وَمَاتَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ مُقَابِلٌ الْخَوَارِجَ لَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَرَّضُونَ إِلَيْهِ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَنْتَظِرُ عَوْدَ الرُّسُلِ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَتُوُفِّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ
وَاسْتِعْمَالِ الْجَرَّاحِ عَلَى خُرَاسَانَ
قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ يَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ إِلَيْهِ مُوثَقًا، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى عَمَلِهِ وَيُقْبِلَ إِلَيْهِ، فَاسْتَخْلَفَ مَخْلَدًا ابْنَهُ، وَقَدِمَ مِنْ خُرْسَانَ وَنَزَلَ وَاسِطًا، ثُمَّ رَكِبَ السُّفُنَ يُرِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute