للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَلَّبِ حَتَّى يُبَيِّتُوا مَسْلَمَةَ، وَيَحْمِلُوا مَعَهُمُ الْبَرَاذِعَ وَالْأُكُفَ وَالزُّبْلَ لِدَفْنِ خَنْدَقِهِمْ، فَيُقَاتِلُهُمْ عَلَى خَنْدَقِهِمْ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِ، وَأُمِدَّهُ بِالرِّجَالِ حَتَّى أُصْبِحَ، فَإِذَا أَصْبَحْتُ نَهَضْتُ إِلَيْهِمْ فِي النَّاسِ فَأُنَاجِزُهُمْ، فَإِنِّي أَرْجُو عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْصُرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ السَّمَيْدَعُ: إِنَّا قَدْ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ قَبِلُوا هَذَا مِنَّا، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَمْكُرَ وَلَا نَغْدُرَ حَتَّى يَرُدُّوا عَلَيْنَا [مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ قَابِلُوهُ مِنَّا] . وَقَالَ أَبُو رُؤْبَةَ، وَهُوَ رَأْسُ الطَّائِفَةِ الْمُرْجِئَةِ، وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ: صَدَقَ، هَكَذَا يَنْبَغِي.

فَقَالَ يَزِيدُ: وَيْحَكُمُ! أَتُصَدِّقُونَ بَنِي أُمَيَّةَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ ضَيَّعُوا ذَلِكَ مُنْذُ كَانُوا؟ إِنَّهُمْ يُخَادِعُونَكُمْ لِيَمْكُرُوا بِكُمْ فَلَا يَسْبِقُوكُمْ إِلَيْهِ، إِنِّي لَقِيتُ بَنِي مَرْوَانَ، فَمَا لَقِيتُ مِنْهُمْ أَمْكَرَ وَلَا (أَبْعَدَ غَدْرًا) مِنْ هَذِهِ الْجَرَادَةِ الصَّفْرَاءِ، يَعْنِي مَسْلَمَةَ. قَالُوا: لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَرُدُّوا عَلَيْنَا مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ قَابِلُوهُ مِنَّا.

وَكَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْمُهَلَّبِ بِالْبَصْرَةِ يَحُثُّ النَّاسَ عَلَى حَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُثَبِّطُهُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ، قَامَ فِي النَّاسِ يَأْمُرُهُمْ بِالْجِدِّ وَالِاحْتِشَادِ، ثُمَّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ الضَّالَّ الْمُرَائِيَ، وَلَمْ يُسَمِّهِ، يُثَبِّطُ النَّاسَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ جَارَهُ نَزَعَ مِنْ خُصِّ دَارِهِ قَصَبَةً لَظَلَّ يَرْعُفُ أَنْفُهُ! وَايْمُ اللَّهِ لَيَكُفَّنَّ عَنْ ذِكْرِنَا وَعَنْ جَمْعِهِ إِلَيْهِ، سُقَّاطَ الْأُبُلَّةِ وَعُلُوجَ فُرَاتِ الْبَصْرَةِ، أَوْ لَأُنْحِيَنَّ عَلَيْهِ مِبْرَدًا خَشِنًا.

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْحَسَنَ، قَالَ: وَاللَّهِ [مَا أَكْرَهُ] أَنْ يُكْرِمَنِي اللَّهُ بِهَوَانِهِ. فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَوْ أَرَادَكَ ثُمَّ شِئْتَ لَمَنَعْنَاكَ. فَقَالَ لَهُمْ: فَقَدْ خَالَفْتُكُمْ إِذًا إِلَى مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، آمُرُكُمْ أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مَعَ غَيْرِي، وَآمُرُكُمْ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا دُونِي! فَبَلَغَ ذَلِكَ مَرْوَانَ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ وَطَلَبَهُمْ وَتَفَرَّقُوا، وَكَفَّ عَنِ الْحَسَنِ.

وَكَانَ اجْتِمَاعُ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ وَمَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ صَفَرٍ بَعَثَ مَسْلَمَةُ إِلَى الْوَضَّاحِ أَنْ يَخْرُجَ بِالسُّفُنِ حَتَّى يَحْرِقَ الْجِسْرَ، فَفَعَلَ، وَخَرَجَ مَسْلَمَةُ، فَعَبَّأَ جُنُودَ أَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ قَرُبَ مِنَ ابْنِ الْمُهَلَّبِ وَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ جَبَلَةَ بْنَ مَخْرَمَةَ الْكِنْدِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الْهُذَيْلَ بْنَ زُفَرَ بْنَ الْحَارِثِ الْكِلَابِيَّ، وَجَعَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى مَيْمَنَتِهِ سَيْفَ بْنَ هَانِئٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَعَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>