مَيْسَرَتِهِ سُوِيدَ بْنَ الْقَعْقَاعِ التَّمِيمِيَّ، وَكَانَ مَسْلَمَةُ عَلَى النَّاسِ.
وَخَرَجَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَقَدْ جَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ حَبِيبَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الْمُفَضَّلَ بْنَ الْمُهَلَّبِ. فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، فَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ، فَاتَّقَاهُ الرَّجُلُ بِيَدِهِ وَعَلَى كَفِّهِ كَفٌّ مِنْ حَدِيدٍ، فَضَرَبَهُ مُحَمَّدٌ فَقَطَعَ الْكَفَّ الْحَدِيدَ، وَأَسْرَعَ السَّيْفُ فِي كَفِّهِ وَاعْتَنَقَ فَرَسَهُ فَانْهَزَمَ.
فَلَمَّا دِنَّا الْوَضَّاحُ مِنَ الْجِسْرِ أَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ، فَسَطَعَ دُخَانُهُ، وَقَدْ أَقْبَلَ النَّاسُ، وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ، وَلَمْ يَشْتَدِ الْقِتَالُ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الدُّخَانَ، وَقِيلَ لَهُمْ أُحْرِقَ الْجِسْرُ، انْهَزَمُوا، فَقِيلَ لِيَزِيدَ: قَدِ انْهَزَمَ النَّاسُ. فَقَالَ: مِمَّ انْهَزَمُوا؟ هَلْ كَانَ قِتَالٌ يُنْهَزَمُ مِنْ مِثْلِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ قَالُوا أُحْرِقَ الْجِسْرُ فَلَمْ يَثْبُتْ أَحَدٌ. فَقَالَ: قَبَّحَهُمُ اللَّهُ! بَقٌّ دُخِّنَ عَلَيْهِ فَطَارَ! ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: اضْرِبُوا وُجُوهَ الْمُنْهَزِمِينَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى كَثُرُوا عَلَيْهِ، وَاسْتَقْبَلَهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، فَقَالَ: دَعَوْهُمْ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَجْمَعَنِي وَإِيَّاهُمْ مَكَانٌ أَبَدًا، دَعُوهُمْ يَرْحَمْهُمُ اللَّهُ، غَنَمٌ عَدَا فِي نَوَاحِيهَا الذِّئْبُ!
وَكَانَ يَزِيدُ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالْفِرَارِ، وَكَانَ قَدْ أَتَاهُ يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَالِدِ مَرْوَانَ نَسَبٌ، وَهُوَ بِوَاسِطَ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ بَنِي مَرْوَانَ قَدْ بَادَ مُلْكُهُمْ، فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَشْعُرْ بِذَلِكَ فَاشْعُرْ. فَقَالَ: مَا شَعَرْتُ، فَقَالَ ابْنُ الْحَكَمِ:
فَعِشْ مَلِكًا أَوْ مُتْ كَرِيمًا فَإِنْ تَمُتْ ... وَسَيْفُكَ مَشْهُورٌ بِكَفِّكِ تُعْذَرُ
فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَعَسَى. فَلَمَّا رَأَى يَزِيدُ انْهِزَامَ أَصْحَابِهِ، قَالَ: يَا سَمَيْدَعُ أَرَأْيِي أَجْوَدُ أَمْ رَأْيُكَ؟ أَلَمْ أُعْلِمْكَ مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ؟ قَالَ: بَلَى، فَنَزَلَ سَمَيْدَعُ وَنَزَلَ يَزِيدُ فِي أَصْحَابِهِمَا. وَقِيلَ: كَانَ عَلَى فَرَسٍ أَشْهَبَ فَأَتَاهُ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَخَاكَ حَبِيبًا قَدْ قُتِلَ. فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُ، قَدْ كُنْتُ وَاللَّهِ أَبْغَضُ الْحَيَاةَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ، وَقَدِ ازْدَدْتُ لَهَا بُغْضًا، امْضُوا قُدُمًا. فَعَلِمُوا أَنَّهُ قَدِ اسْتَقْتَلَ، فَتَسَلَّلَ عَنْهُ مَنْ يَكْرَهُ الْقِتَالَ، وَبَقِيَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ حَسَنَةٌ وَهُوَ يَتَقَدَّمُ، فَكُلَّمَا مَرَّ بِخَيْلٍ كَشَفِهَا، أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَدَلُوا عَنْهُ، وَأَقْبَلَ نَحْوَ مَسْلَمَةَ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ. فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ أَدْنَى مَسْلَمَةُ فَرَسَهُ لِيَرْكَبَ، فَعَطَفَ عَلَيْهِ خُيُولُ أَهْلِ الشَّامِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ، فَقُتِلَ يَزِيدُ وَالسَّمَيْدَعُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ.
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهُ: الْقَحْلُ بْنُ عَيَّاشٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى يَزِيدَ، قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute