يَزِيدُ! وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّهُ أَوْ لَيَقْتُلَنِّي! فَمَنْ يَحْمِلُ مَعِي يَكْفِينِي أَصْحَابَهُ، حَتَّى أَصِلَ إِلَيْهِ؟ فَحَمَلَ مَعَهُ نَاسٌ، فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَانْفَرَجَ الْفَرِيقَانِ عَنْ يَزِيدَ قَتِيلًا، وَعَنِ الْقَحْلِ بِآخِرِ رَمَقِهِ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَصْحَابِهِ يُرِيهِمْ مَكَانَ يَزِيدَ، وَأَنَّهُ هُوَ قَاتِلُهُ وَأَنَّ يَزِيدَ قَتَلَهُ.
وَأَتَى بِرَأْسِ يَزِيدَ مَوْلًى لِبَنِي مُرَّةَ، فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا أَتَى مَسْلَمَةَ سَيَّرَهُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. وَقِيلَ: بَلْ قَتَلَهُ الْهُذَيْلُ بْنُ زُفَرَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِلَابِيُّ، وَلَمْ يَنْزِلْ يَأْخُذُ رَأْسَهُ أَنَفَةً.
وَلَمَّا قُتِلَ يَزِيدُ كَانَ الْمُفَضَّلُ بْنُ الْمُهَلَّبِ يُقَاتِلُ أَهْلَ الشَّامِ، وَمَا يَدْرِي بِقَتْلِ يَزِيدَ وَلَا بِهَزِيمَةِ النَّاسِ، وَكَانَ كُلَّمَا حَمَلَ عَلَى النَّاسِ انْكَشَفُوا، ثُمَّ يَحْمِلُ حَتَّى يُخَالِطَهُمْ، وَكَانَ مَعَهُ عَامِرُ بْنُ الْعُمَيْثَلِ الْأَزْدِيُّ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْمَوْلُودِ ... أَنِّي بِنَصْلِ السَّيْفِ غَيْرُ رِعْدِيدْ
فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، فَانْهَزَمَتْ رَبِيعَةُ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ الْمُفَضَّلُ يُنَادِيهِمْ: يَا مَعْشَرَ رَبِيعَةَ الْكَرَّةَ الْكَرَّةَ! وَاللَّهِ مَا كُنْتُمْ بِكُشْفٍ وَلَا لِئَامٍ، وَلَا لَكُمْ هَذِهِ بِعَادَةٍ، فَلَا يُؤْتَيَّنَ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ قِبَلِكُمْ، فَدَتْكُمْ نَفْسِي! فَرَجَعُوا إِلَيْهِ يُرِيدُونَ الْحَمْلَةَ، فَأُتِي، وَقِيلَ لَهُ: مَا تَصَنَعُ هَاهُنَا وَقَدْ قُتِلَ يَزِيدُ وَحَبِيبٌ وَمُحَمَّدٌ، وَانْهَزَمَ النَّاسُ مُنْذُ طَوِيلٍ؟ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، وَمَضَى الْمُفَضَّلُ إِلَى وَاسِطَ، فَمَا كَانَ مِنَ الْعَرَبِ أَضْرَبُ بِسَيْفِهِ، وَلَا أَحْسَنُ تَعْبِيَةً لِلْحَرْبِ، وَلَا أَغْشَى لِلنَّاسِ مِنْهُ. وَقِيلَ: بَلْ أَتَاهُ أَخُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَكَرِهَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِقَتْلِ يَزِيدَ فَيَسْتَقْتِلَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْأَمِيرَ قَدِ انْحَدَرَ إِلَى وَاسِطَ. فَانْحَدَرَ الْمُفَضَّلُ بِمَنْ بَقِيَ مِنْ وَلِدِ الْمُهَلَّبِ إِلَى وَاسِطَ، فَلَمَّا عَلِمَ بِقَتْلِ يَزِيدَ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ الْمَلِكِ أَبَدًا، فَمَا كَلَّمَهُ حَتَّى قُتِلَ بِقَنْدَابِيلَ. وَكَانَتْ عَيْنُهُ أُصِيبَتْ فِي الْحَرْبِ، فَقَالَ: فَضَحَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ، مَا عُذْرِي إِذَا رَآنِي النَّاسُ، فَقَالُوا شَيْخٌ أَعْوَرُ مَهْزُومٌ! أَلَا صَدَقَنِي فَقُتِلْتُ؟ ثُمَّ قَالَ:
وَلَا خَيْرَ فِي طَعْنِ الصَّنَادِيدِ بِالْقَنَا ... وَلَا فِي لِقَاءِ الْحَرْبِ بَعْدَ يَزِيدِ
فَلَمَّا فَارَقَ الْمُفَضَّلُ الْمَعْرَكَةَ، جَاءَ عَسْكَرُ الشَّامِ إِلَى عَسْكَرِ يَزِيدَ، فَقَاتَلَهُمْ أَبُو رُؤْبَةَ صَاحِبُ الْمُرْجِئَةِ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، وَأَسَرَ مَسْلَمَةُ نَحْوَ ثَلَاثَمِائَةِ أَسِيرٍ، فَسَرَّحَهُمْ إِلَى الْكُوفَةِ، فَحُبِسُوا بِهَا، فَجَاءَ كِتَابُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِضَرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute