إِذَا عُقِرَتْ كَانَتْ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْكُمْ، وَلَيْسَتْ بِكُمْ قِلَّةٌ، فَإِنَّ سَبْعَمِائَةِ سَيْفٍ لَا يُضْرَبُ بِهَا فِي عَسْكَرٍ إِلَّا أَوْهَنُوهُ وَإِنْ كَثُرَ أَهْلُهُ. وَجَعَلَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ كَثِيرًا الدَّبُّوسِيَّ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ ثَابِتُ قُطْنَةَ، وَهُوَ مِنَ الْأَزْدِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُمْ، كَبَّرُوا، وَذَلِكَ فِي السَّحَرَ، وَثَارَ التُّرْكُ وَخَالَطَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَعَقَرُوا الدَّوَابَّ، وَتَرَجَّلَ الْمُسَيَّبُ فِي رِجَالٍ مَعَهُ، فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْقَطَعَتْ يَمِينُ الْبَخْتَرِيِّ الْمُرَائِيِّ، فَأَخَذَ السَّيْفَ بِشَمَالِهِ فَقُطِعَتْ، فَجَعَلَ يَذُبُّ بِيَدَيْهِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ. وَضَرَبَ ثَابِتُ قُطْنَةَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ التُّرْكِ، فَقَتَلَهُ، وَانْهَزَمَتِ التُّرْكُ، وَنَادَى مُنَادِي الْمُسَيَّبِ: لَا تَتْبَعُوهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مِنَ الرُّعْبِ أَتَّبَعْتُمُوهُمْ أَمْ لَا، وَاقْصُدُوا الْقَصْرَ، وَلَا تَحْمِلُوا إِلَّا الْمَاءَ، وَلَا تَحْمِلُوا إِلَّا مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ، وَمَنْ حَمَلَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ ضَعِيفًا; حِسْبَةً، فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَبَى فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَصْرِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عَهْدِكُمْ فَاحْمِلُوهُ. فَحَمَلُوا مَنْ فِي الْقَصْرِ وَأَتَوْا تُرْكَ خَاقَانَ، فَأَنْزَلَهُمْ قَصْرَهُ وَأَتَاهُمْ بِطَعَامٍ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى سَمَرْقَنْدَ. وَرَجَعَتِ التُّرْكُ مِنَ الْغَدِ، فَلَمْ يَرَوْا فِي الْقَصْرِ أَحَدًا، وَرَأَوْا قَتْلَاهُمْ فَقَالُوا: لَمْ يَكُنِ الَّذِي جَاءَنَا مِنَ الْإِنْسِ، فَقَالَ ثَابِتُ قُطْنَةَ:
فَدَتْ نَفْسِي فَوَارِسَ مِنْ تَمِيمٍ ... غَدَاةَ الرَّوْعِ فِي ضَنْكِ الْمَقَامِ
فَدَتْ نَفْسِي فَوَارِسَ أَكْنَفُونِي ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي رَهَجِ الْقَتَامِ
بِقَصْرِ الْبَاهِلِيِّ وَقَدْ رَأَوْنِي ... أُحَامِي حَيْثُ ضَنَّ بِهِ الْمُحَامِي
بِسَيْفِي بَعْدَ حَطْمِ الرُّمْحِ قُدْمًا ... أَذَوْدُهُمُ بِذِي شُطَبٍ حُسَامِ
أُكِرُّ عَلَيْهِمُ الْيَحْمُومَ كَرًا ... كَكَرِّ الشَّرْبِ آنِيَةَ الْمُدَامِ
أَكُرُّ بِهِ لَدَى الْغَمَرَاتِ حَتَّى ... تَجَلَّتْ لَا يَضِيقُ بِهِ مَقَامِي
فَلَوْلَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَضَرْبِي قَوْنَسَ الْمَلِكِ الْهُمَامِ
إِذًا لَسَعَتْ نِسَاءُ بَنِي دِثَارٍ ... أَمَامَ التُّرْكِ بَادِيَةَ الْخِدَامِ
فَمَنْ مِثْلُ الْمُسَيَّبِ فِي تَمِيمٍ ... أَبِي بِشْرٍ كَقَادِمَةِ الْحَمَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute