وَعَوِرَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ الطَّائِيُّ، وَشُلَّتْ يَدُهُ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ وِلَايَةً قَبْلَ سَعِيدٍ، فَأَخَذَهُ سَعِيدٌ بِشَيْءٍ بَقِيَ عَلَيْهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى شَدَّادِ بْنِ خُلَيْدٍ الْبَاهِلِيِّ لِيَسْتَأْدِيَهُ، فَضَيَّقَ عَلَيْهِ شَدَّادٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ سِرْتُ إِلَى قَصْرِ الْبَاهِلِيِّ وَأَنَا شَدِيدُ الْبَطْشِ حَدِيدُ الْبَصَرِ، فَعَوِرْتُ وَشُلَّتْ يَدِي، وَقَاتَلْتُ حَتَّى اسْتَنْقَذْنَاهُمْ بَعْدَمَا أَشْرَفُوا عَلَى الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالسَّبْيِ، وَهَذَا صَاحِبُكُمْ يَصْنَعُ بِي مَا يَصْنَعُ فَكُفُّوهُ عَنِّي، فَخَلَّاهُ.
قَالَ بَعْضُ مَنْ كَانَ بِالْقَصْرِ: لَمَّا الْتَقَوْا ظَنَنَّا أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ لِمَا سَمِعْنَا مِنْ هَمَاهِمِ الْقَوْمِ، وَوَقَعِ الْحَدِيدِ، وَصَهِيلِ الْخَيْلِ.
ذِكْرُ غَزْوِ الصُّغْدِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبَرَ سَعِيدُ خُذَيْنَةَ النَّهْرَ وَغَزَا الصُّغْدَ، (وَكَانُوا قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَأَعَانُوا التُّرْكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ النَّاسُ لِسَعِيدٍ: إِنَّكَ قَدْ تَرَكْتَ الْغَزْوَ، وَقَدْ أَغَارَ التُّرْكُ، وَكَفَرَ أَهْلُ الصُّغْدِ. فَقَطَعَ النَّهْرَ، وَقَصَدَ الصُّغْدَ) ، فَلَقِيَهُ التُّرْكُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الصُّغْدِ، فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَا تَتْبَعُوهُمْ، فَإِنَّ الصُّغْدَ بُسْتَانُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ هَزَمْتُمُوهُمْ، أَفَتُرِيدُونَ بَوَارَهُمْ؟ وَقَدْ قَاتَلْتُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ الْخُلَفَاءَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَهَلْ أَبَادُوكُمْ؟ وَقَالَ سَوْرَةُ بْنُ الْحُرِّ لَحَيَّانَ النَّبَطِيِّ: ارْجِعْ عَنْهُمْ يَا حَيَّانُ. قَالَ: عَقِيرَةُ اللَّهِ لَا أَدَعُهَا. قَالَ: انْصَرِفْ يَا نَبَطِيُّ. قَالَ: أَنَبَطَ اللَّهُ وَجْهَكَ!
وَسَارَ الْمُسْلِمُونَ فَانْتَهَوْا إِلَى وَادٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَرْجِ، فَقَطَعَهُ بَعْضُهُمْ وَقَدْ أَكْمَنَ لَهُمُ التُّرْكُ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْمُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْوَادِي، فَصَبَرُوا حَتَّى انْكَشَفُوا لَهُمْ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُنْهَزِمُونَ مَسْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا وَالتُّرْكُ قَدْ خَرَجُوا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْضَةٍ، وَعَلَى الْخَيْلِ شُعْبَةُ بْنُ ظُهَيْرٍ، فَأَعْجَلَهُمُ التُّرْكُ عَنِ الرُّكُوبِ، فَقَاتَلَهُمْ شُعْبَةُ، فَقُتِلَ، وَقُتِلَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا، وَانْهَزَمَ أَهْلُ الْمَسْلَحَةِ، وَأَتَى الْمُسْلِمِينَ الْخَبَرُ، فَرَكِبَ الْخَلِيلُ بْنُ أَوْسٍ الْعَبْشَمِيُّ أَحَدُ بَنِي ظَالِمٍ وَنَادَى: يَا بَنِي تَمِيمٍ إِلَيَّ أَنَا الْخَلِيلُ! فَاجْتَمَعَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَحَمَلَ بِهِمْ عَلَى الْعَدُوِّ، فَكَفُّوهُمْ حَتَّى جَاءَ الْأَمِيرُ وَالنَّاسُ، فَانْهَزَمَ الْعَدُوُّ، فَصَارَ الْخَلِيلُ عَلَى خَيْلِ بَنِي تَمِيمٍ حَتَّى وَلِيَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ، ثُمَّ صَارَتْ رِيَاسَتُهُمْ لِأَخِيهِ الْحَكَمِ بْنِ أَوْسٍ.
فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ بَعَثَ رِجَالًا مِنْ تَمِيمٍ إِلَى وَزْغِيشَ، فَقَالُوا: لَيْتَنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute