عَرَفُوا الطَّرِيقَ، وَيُشْكِلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَسْقُطُونَ فِي الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا خَرَجُوا قَاتَلُوهُمْ فَانْهَزَمُوا، وَأَخْطَأَهُمُ الطَّرِيقُ فَسَقَطُوا فِي الْخَنْدَقِ، وَأَخْرَجَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا. وَحَصَرَهُمُ الْحَرَشِيُّ وَنَصَبَ عَلَيْهِمُ الْمَجَانِيقَ. فَأَرْسَلُوا إِلَى مَلِكِ فَرْغَانَةَ: إِنَّكَ غَدَرْتَ بِنَا، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَنْصُرَهُمْ، فَقَالَ: قَدْ أَتَوْكُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَلَسْتُمْ فِي جِوَارِي. فَطَلَبُوا الصُّلْحَ وَسَأَلُوا الْأَمَانَ وَأَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى الصُّغْدِ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَذَرَارِيهِمْ، وَأَنْ يُؤَدُّوا مَا كَسَرُوا مِنَ الْخَرَاجِ، وَلَا يَغْتَالُوا أَحَدًا، وَلَا يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ بِخُجَنْدَةَ أَحَدٌ، فَإِنْ أَحْدَثُوا حَدَثًا حَلَّتْ دِمَاؤُهُمْ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْمُلُوكُ وَالتُّجَّارُ مِنَ الصُّغْدِ، وَتَرَكَ أَهْلَ خُجَنْدَةَ عَلَى حَالِهِمْ، وَنَزَلَ عُظَمَاءُ الصُّغْدِ عَلَى الْجُنْدِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُمْ، وَنَزَلَ كَارَزَنْجُ عَلَى أَيُّوبَ بْنِ أَبِي حَسَّانَ. وَبَلَغَ الْحَرَشِيُّ أَنَّهُمْ قَتَلُوا امْرَأَةً مِمَّنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ثَابِتًا قَتْلَ امْرَأَةً وَدَفَنَهَا، فَجَحَدَ، فَسَأَلَ فَإِذَا الْخَبَرُ صَحِيحٌ، فَدَعَا بِثَابِتٍ إِلَى خَيْمَتِهِ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ كَارَزَنْجُ بِقَتْلِهِ خَافَ أَنْ يُقْتَلَ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ لِيَأْتِيَهُ بِسَرَاوِيلَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ لِابْنِ أَخِيهِ: إِذَا طَلَبْتُ سَرَاوِيلَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ الْقَتْلُ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ، وَخَرَجَ، وَاعْتَرَضَ النَّاسَ، فَقَتَلَ نَاسًا، وَتَضَعْضَعَ الْعَسْكَرُ، وَلَقُوا مِنْهُ شَرًّا، وَانْتَهَى إِلَى ثَابِتِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَتَلَهُ ثَابِتٌ.
وَقَتَلَ الصُّغْدُ أَسْرَى عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِائَةً وَخَمْسِينَ رَجُلًا، فَأُخْبِرَ الْحَرَشِيُّ بِذَلِكَ، فَسَأَلَ، فَرَأَى الْخَبَرَ صَحِيحًا، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَعَزْلِ التُّجَّارِ عَنْهُمْ، فَقَاتَلَهُمُ الصُّغْدُ بِالْخَشَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سِلَاحٌ، فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَكَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، وَقِيلَ: سَبْعَةَ آلَافٍ، وَاصْطَفَى أَمْوَالَ الصُّغْدِ وَذَرَارِيهِمْ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا أَعْجَبَهُ، ثُمَّ دَعَا مُسْلِمَ بْنَ بُدَيْلٍ الْعَدَوِيَّ عَدِيٌّ الرَّبَابُ، وَقَالَ: وَلَّيْتُكَ الْمَقْسَمَ. فَقَالَ: بَعْدَمَا عَمِلَ فِيهِ عُمَّالُكَ لَيْلَةً! وَلِّهِ غَيْرِي، فَوَلَّاهُ غَيْرَهُ. وَكَتَبَ الْحَرَشِيُّ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكْتُبْ إِلَى عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ، فَكَانَ هَذَا مِمَّا أَوْغَرَ صَدْرَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ثَابِتُ قُطْنَةَ يَذْكُرُ مَا أَصَابُوا مِنْ عُظَمَائِهِمْ:
أَقَرَّ الْعَيْنَ مَصْرَعُ كَارَزَنْجٍ ... وَكَشْكِيرٍ وَمَا لَاقَى يُبَادُ
وَدَيْوَشْتَى وَمَا لَاقَى خَلَنْجٌ ... بِحِصْنِ خُجَنْدَ إِذْ دَمَرُوا فَبَادُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute