الْحِصْنِ قَدْ جَمَعُوا ثَلَاثَمِائَةِ عَجَلَةٍ، فَشَدُّوا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَجَعَلُوهَا بِحَوْلِ حِصْنِهِمْ لِيَحْتَمُوا بِهَا، وَتَمْنَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْحِصْنِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْعَجَلُ أَشَدُّ شَيْءٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالِهِمْ. فَلَمَّا رَأَوُا الضَّرَرَ الَّذِي عَلَيْهِمْ مِنْهَا انْتَدَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ نَحْوَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَتَعَاهَدُوا عَلَى الْمَوْتِ، وَكَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهِمْ، وَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَتَقَدَّمُوا نَحْوَ الْعَجَلِ، وَجَدَّ الْكُفَّارُ فِي قِتَالِهِمْ، وَرَمَوْا مِنَ النُّشَّابِ مَا كَانَ يَحْجُبُ الشَّمْسَ، فَلَمْ يَرْجِعْ أُولَئِكَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى الْعَجَلِ، وَتَعَلَّقُوا بِبَعْضِهَا، وَقَطَعُوا الْحَبْلَ الَّذِي يُمْسِكُهَا، وَجَذَبُوهَا فَانْحَدَرَتْ، وَتَبِعَهَا سَائِرُ الْعَجَلِ، لِأَنَّ بَعْضَهَا كَانَ مَشْدُودًا إِلَى بَعْضٍ، وَانْحَدَرَ الْجَمِيعُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ وَاشْتَدَّ، وَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى الْجَمِيعِ حَتَّى بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ. ثُمَّ إِنَّ الْخَزَرَ انْهَزَمُوا وَاسْتَوْلَى الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْحِصْنِ عَنْوَةً وَغَنِمُوا جَمِيعَ مَا فِيهِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَصَابَ الْفَارِسُ ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا.
ثُمَّ إِنَّ الْجَرَّاحَ أَخَذَ أَوْلَادَ صَاحِبِ بَلَنْجَرَ وَأَهْلَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَحْضَرَهُ، وَرَدَّ إِلَيْهِ أَمْوَالَهُ وَأَهْلَهُ وَحِصْنَهُ، وَجَعَلَهُ عَيْنًا لَهُمْ يُخْبِرُهُمْ بِمَا يَفْعَلُهُ الْكُفَّارُ.
ثُمَّ سَارَ عَنْ بَلَنْجَرَ فَنَزَلَ عَلَى حِصْنِ الْوَبَنْدَرِ، وَبِهِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنَ التُّرْكِ، فَصَالَحُوا الْجَرَّاحَ عَلَى مَالٍ يُؤَدُّونَهُ. ثُمَّ إِنْ أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ تَجَمَّعُوا وَأَخَذُوا الطُّرُقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ صَاحِبُ بَلَنْجَرَ إِلَى الْجَرَّاحِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ. فَعَادَ مُجِدًّا حَتَّى وَصَلَ إِلَى رُسْتَاقِ مَلَّى، وَأَدْرَكَهُمُ الشِّتَاءُ، فَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ، وَكَتَبَ الْجَرَّاحُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبِمَا اجْتَمَعَ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَسْأَلُهُ الْمَدَدَ. فَوَعَدَهُ إِنْفَاذَ الْعَسَاكِرِ إِلَيْهِ، فَأَدْرَكَهُ أَجْلُهُ قَبْلَ إِنْفَاذِ الْجَيْشِ، فَأَرْسَلَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْجَرَّاحِ، فَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَلِهِ، وَوَعَدَهُ الْمَدَدَ.
ذِكْرُ عَزْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الضَّحَّاكِ عَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَكَانَ عَامِلَهُ عَلَيْهِمَا ثَلَاثَ سِنِينَ، وَوَلَّى عَبْدَ الْوَاحِدِ النَّضْرِيَّ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ خَطَبَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَتْ: مَا أُرِيدُ النِّكَاحَ وَلَقَدْ قَعَدْتُ عَلَى بَنِيَّ هَؤُلَاءِ. فَأَلَحَّ عَلَيْهَا وَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَفْعَلِي لَأَجْلِدَنَّ أَكْبَرَ بَنِيكِ فِي الْخَمْرِ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ عَلَى الدِّيوَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute