الْمُنْهَزِمُونَ إِلَى الشَّامِ فَقَدِمُوا عَلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَفِيهِمْ ثُبَيْتٌ، فَوَبَّخَهُمْ يَزِيدُ عَلَى الْهَزِيمَةِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا جَبُنْتُ وَلَا نَكَبْتُ عَنْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ لَصَقْتُ الْخَيْلَ بِالْخَيْلِ وَالرَّجُلَ بِالرَّجُلِ، وَلَقَدْ طَاعَنْتُ حَتَّى انْقَصَفَ رُمْحِي، وَضَارَبْتُ حَتَّى انْقَطَعَ سَيْفِي، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ الْجَرَّاحِ أَرْمِينِيَّةَ وَفَتْحِ بَلَنْجَرَ وَغَيْرِهَا
لَمَّا تَمَّتِ الْهَزِيمَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَمِعَ الْخَزَرُ فِي الْبِلَادِ، فَجَمَعُوا وَحَشَدُوا، وَاسْتَعْمَلَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجَرَّاحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيَّ حِينَئِذٍ عَلَى أَرْمِينِيَّةَ، وَأَمَدَّهُ بِجَيْشٍ كَثِيفٍ، وَأَمْرَهُ بِغَزْوِ الْخَزَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَبِقَصْدِ بِلَادِهِ. فَسَارَ الْجَرَّاحُ، وَتَسَامَعَ الْخَزَرِيَّةُ، فَعَادُوا حَتَّى نَزَلُوا بِالْبَابِ وَالْأَبْوَابِ، وَوَصَلَ الْجَرَّاحُ إِلَى بَرْذَعَةَ، فَأَقَامَ حَتَّى اسْتَرَاحَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَسَارَ نَحْوَ الْخَزَرِ، فَعَبَرَ نَهْرَ الْكَرِّ، فَسَمِعَ بِأَنَّ بَعْضَ مَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْجِبَالِ قَدْ كَاتَبَ مَلِكَ الْخَزَرِ يُخْبِرُهُ بِمُسَيَّرِ الْجَرَّاحِ إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ أَمَرَ الْجَرَّاحُ مُنَادِيَهُ فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّ الْأَمِيرَ مُقِيمٌ هَاهُنَا عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَاسْتَكْثِرُوا مِنَ الْمِيرَةِ ; فَكَتَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى مَلِكِ الْخَزَرِ يُخْبِرُهُ أَنَّ الْجَرَّاحَ مُقِيمٌ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحَرَكَةِ لِئَلَّا يَطْمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ.
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَمَرَ الْجَرَّاحُ بِالرَّحِيلِ، فَسَارَ مُجِدًّا حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَدِينَةِ الْبَابِ وَالْأَبْوَابِ، فَلَمْ يَرَ الْخَزَرَ، فَدَخَلَ الْبَلَدَ فَبَثَّ سَرَايَاهُ فِي النَّهْبِ وَالْغَارَةِ عَلَى مَا يُجَاوِرُهُ، فَغَنِمُوا وَعَادُوا مِنَ الْغَدِ، وَسَارَ الْخَزَرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ ابْنُ مَلِكِهِمْ، فَالْتَقَوْا عِنْدَ نَهْرِ الرَّانِ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَرَّضَ الْجَرَّاحُ أَصْحَابَهُ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَظَفِرُوا بِالْخَزَرِ وَهَزَمُوهُمْ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعَ مَا مَعَهُمْ، وَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حِصْنٍ يُعْرَفُ بِالْحُصَيْنِ، فَنَزَلَ أَهْلُهُ بِالْأَمَانِ عَلَى مَالٍ يَحْمِلُونَهُ، فَأَجَابَهُمْ وَنَقَلَهُمْ عَنْهَا.
ثُمَّ سَارَ إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا يَرْغُوَا، فَأَقَامَ عَلَيْهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ مُجِدٌّ فِي قِتَالِهِمْ، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَآمَنَهُمْ وَتَسَلَّمَ حِصْنَهُمْ وَنَقَلَهُمْ مِنْهُ.
ثُمَّ سَارَ الْجَرَّاحُ إِلَى بَلَنْجَرَ، وَهُوَ حِصْنٌ مَشْهُورٌ مِنْ حُصُونِهِمْ، فَنَازَلَهُ، وَكَانَ أَهْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute