أَبَا الْعَلَاءِ لَقَدْ لَاقَيْتَ مُعْضِلَةً ... يَوْمَ الْعُرُوبَةِ مِنْ كَرْبٍ وَتَخْنِيقِ
تَلْوِي اللِّسَانَ إِذَا رُمْتَ الْكَلَامَ بِهِ ... كَمَا هَوَى زَلَقٌ مِنْ شَاهِقِ النِّيقِ
لَمَّا رَمَتْكَ عُيُونُ النَّاسِ صَاحِيَةً ... أَنْشَأَتْ تَجْرَضُ لَمَّا قُمْتَ بِالرِّيقِ
أَمَّا الْقُرَانُ فَلَا تُهْدَى لِمُحْكَمَةٍ ... مِنَ الْقُرَانِ وَلَا تُهْدَى لِتَوْفِيقِ
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ الْحُرِّ عَلَى الْمَوْصِلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ هِشَامٌ الْحُرَّ بْنَ يُوسُفَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى الْمَوْصِلِ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى الْمَنْقُوشَةَ دَارًا يَسْكُنُهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْمَنْقُوشَةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَنْقُوشَةً بِالسَّاجِ وَالرُّخَامِ وَالْفُصُوصِ الْمُلَوَّنَةِ وَمَا شَاكَلَهَا، وَكَانَتْ عِنْدَ سُوقِ الْقَتَّابِينَ وَالشَّعَّارِينَ وَسُوقِ الْأَرْبِعَاءَ، وَأَمَّا الْآنُ فَهِيَ خَرِبَةٌ تُجَاوِرُ سُوقَ الْأَرْبِعَاءَ. وَهَذَا الْحُرُّ الَّذِي عَمِلَ النَّهْرَ الَّذِي كَانَ بِالْمَوْصِلِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تَحْمِلُ جَرَّةَ مَاءٍ، وَهِيَ تَحْمِلُهَا قَلِيلًا، ثُمَّ تَسْتَرِيحُ قَلِيلًا; لِبُعْدِ الْمَاءِ، فَكَتَبَ إِلَى هِشَامٍ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ بِحَفْرِ نَهْرٍ إِلَى الْبَلَدِ، فَحَفَرَهُ، فَكَانَ أَكْثَرُ شُرْبِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ كَانَ الشَّارِعُ الْمَعْرُوفُ بِشَارِعِ النَّهْرِ، وَبَقِيَ الْعَمَلُ فِيهِ عِدَّةَ سِنِينَ، وَمَاتَ الْحُرُّ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَلَّمَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي خَرَجْتَ مُعَظِّمًا لَهُ إِلَّا رَدَدْتَ عَلَيَّ ظُلَامَتِي. قَالَ: أَيُّ ظُلَامَةٍ؟ قَالَ: دَارِي. قَالَ: فَأَيْنَ كُنْتَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ؟ قَالَ: ظَلَمَنِي. قَالَ: فَالْوَلِيدُ وَسُلَيْمَانُ؟ قَالَ: ظَلَمَانِي. قَالَ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ، رَدَّهَا عَلَيَّ. قَالَ: فَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ؟ قَالَ: ظَلَمَنِي وَقَبَضَهَا مِنِّي بَعْدَ قَبْضِي لَهَا، وَهِيَ فِي يَدِكَ. فَقَالَ هِشَامٌ: لَوْ كَانَ فِيكَ ضَرْبٌ لَضَرَبْتُكَ. فَقَالَ: فِي وَاللَّهِ ضَرْبٌ بِالسَّيْفِ وَالسَّوْطِ. فَانْصَرَفَ هِشَامٌ [وَالْأَبْرَشُ خَلْفَهُ] فَقَالَ: [أَبَا مُجَاشِعٍ] كَيْفَ سَمِعْتَ هَذَا الْإِنْسَانَ؟ قَالَ: مَا أَجْوَدَهُ! قَالَ: هِيَ قُرَيْشٌ وَأَلْسِنَتُهَا، وَلَا يَزَالُ فِي النَّاسِ بَقَايَا مَا رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا.
وَفِيهَا عَزَلَ هِشَامٌ عَبْدَ الْوَاحِدِ النَّضْرِيَّ عَنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ، وَوَلَّى ذَلِكَ خَالَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute