للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عُقْبَةَ لِيَنْصُرُوهُمْ، فَعَزَلَ أَشْرَسُ بْنُ [أَبِي] الْعَمَرَّطَةِ عَنِ الْحَرْبِ، وَاسْتَعْمَلَ مَكَانَهُ الْمُجَشِّرَ بْنَ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيَّ عَلَى الْحَرْبِ، وَضَمَّ إِلَيْهِ عُمَيْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الشَّيْبَانِيُّ.

فَلَمَّا قَدِمَ الْمُجَشِّرُ كَتَبَ إِلَى أَبِي الصَّيْدَاءِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَدِمَ أَبُو الصَّيْدَاءِ وَثَابَتُ قُطْنَةَ، فَحَبَسَهُمَا، فَقَالَ أَبُو الصَّيْدَاءِ: غَدَرْتُمْ وَرَجَعْتُمْ عَمَّا قُلْتُمْ. فَقَالَ هَانِئٌ: لَيْسَ بِغَدْرٍ مَا كَانَ فِيهِ حَقْنُ الدِّمَاءِ، ثُمَّ سَيَّرُوهُ إِلَى أَشْرَسَ، وَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ وَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ أَبَا فَاطِمَةَ لِيُقَاتِلُوا هَانِئًا، فَقَالَ لَهُمْ: كُفُّوا حَتَّى نَكْتُبَ إِلَى أَشْرَسَ، فَكَتَبُوا إِلَيْهِ، فَكَتَبَ أَشْرَسُ: ضَعُوا عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ، فَرَجَعَ أَصْحَابُ أَبِي الصَّيْدَاءِ وَضَعُفَ أَمْرُهُمْ، فَتَتَبَّعَ الرُّؤَسَاءَ، فَأُخِذُوا وَحُمِلُوا إِلَى مَرْوَ، وَبَقِيَ ثَابِتٌ مَحْبُوسًا، فَأَلَحَّ هَانِئٌ فِي الْخَرَاجِ، وَاسْتَخَفُّوا بِعُظَمَاءِ الْعَجَمِ وَالدَّهَاقِينِ، وَأُقِيمُوا وَخُرِّقَتْ ثِيَابُهُمْ، وَأَلْقِيَتْ مَنَاطِقُهُمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَأَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِمَّنْ أَسَلَمَ [مِنَ الضُّعَفَاءِ] ، فَكَفَرَتِ الصُّغْدُ وَبُخَارَى، وَاسْتَجَاشُوا التُّرْكَ.

وَلَمْ يَزَلْ ثَابِتُ قُطْنَةَ فِي حَبْسِ الْمُجَشِّرِ حَتَّى قَدِمَ نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ إِلَى الْمُجَشِّرِ وَالِيًا، فَحَمَلَهُ إِلَى أَشْرَسَ فَحَبَسَهُ، وَكَانَ نَصْرٌ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ، فَقَالَ ثَابِتٌ يَمْدَحْهُ [بِأَبْيَاتٍ] يَقُولُ فِيهَا:

مَا هَاجَ شَوْقُكَ مِنْ نُؤْيٍ وَأَحْجَارِ ... وَمِنْ رُسُومٍ عَفَاهَا صَوْبُ أَمْطَارِ

إِنْ كَانَ ظَنِّي بِنَصْرٍ صَادِقًا أَبَدًا ... فِيمَا أُدَبِّرُ مِنْ نَقْضِي وَإِمْرَارِي

لَا يَصْرِفُ الْجُنْدَ حَتَّى يَسْتَفِيءَ بِهِمْ ... نَهْبًا عَظِيمًا وَيَحْوِيَ مُلْكَ جَبَّارِ

إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ مِنْ جَذْمِ الَّذِي نَضُرَتْ ... مِنْهُ الْفُرُوعُ وَزَنْدِي الثَّاقِبُ الْوَارِي

لَذَاكِرٌ مِنْكَ أَمْرًا قَدْ سَبَقْتَ بِهِ ... مَنْ كَانَ قَبْلَكَ يَا نَصْرُ بْنُ سَيَّارِ

نَاضَلْتَ عَنِّي نِضَالَ الْحُرِّ إِذْ قَصُرَتْ ... دُونِي الْعَشِيرَةُ وَاسْتَبْطَأْتُ أَنْصَارِي

وَصَارَ كُلُّ صِدِّيقٍ كُنْتُ آمُلُهُ ... أَلْبًا عَلَي وَرَثَّ الْحَبْلُ مِنْ جَارِي

وَمَا تَلَبَّسْتُ بِالْأَمْرِ الَّذِي وَقَعُوا ... بِهِ عَلَيَّ وَلَا دَنَّسْتُ أَطَمَارِي

<<  <  ج: ص:  >  >>