وَلَا عَصَيْتُ إِمَامًا كَانَ طَاعَتُهُ
حَقًا عَلِيَّ وَلَا قَارَفْتُ مِنْ عَارِ
وَخَرَجَ أَشْرَسُ غَازِيًا، فَنَزَلَ آمُلَ، فَأَقَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَقَدَّمَ قَطَنَ بْنَ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، فَعَبَرَ النَّهْرَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ، فَأَقْبَلَ أَهْلُ الصُّغْدِ وَبُخَارَى مَعَهُمْ خَاقَانُ وَالتُّرْكُ، فَحَصَرُوا قَطَنًا فِي خَنْدَقِهِ، فَأَرْسَلَ خَاقَانُ مَنْ أَغَارَ عَلَى مَسْرَحِ النَّاسِ، فَأَخْرَجَ أَشْرَسُ ثَابِتَ قُطْنَةَ بِكَفَالَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِسْطَامِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو، فَوَجَّهَهُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِسْطَامٍ فِي خَيْلٍ، فَقَاتَلُوا التُّرْكَ بِآمُلَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَرَجَعَ التُّرْكُ.
ثُمَّ عَبَرَ أَشْرَسُ بِالنَّاسِ إِلَى قَطَنٍ، وَبَعْثَ أَشْرَسُ سَرِيَّةً مَعَ مَسْعُودٍ أَحَدِ بَنِي حَيَّانَ، فَلَقِيَهُمُ الْعَدُوُّ (فَقَاتَلُوهُمْ، فَقُتِلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُزِمَ مَسْعُودٌ، فَرَجَعَ أَشْرَسُ) ، وَأَقْبَلَ الْعَدُوُّ، فَلَقِيَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَجَالُوا جَوْلَةً، فَقُتِلَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ وَصَبَرُوا فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَسَارَ أَشْرَسُ بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ بِيكَنْدَ، فَقَطَعَ الْعَدُوُّ عَنْهُمُ الْمَاءَ، وَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَعَطِشُوا، فَرَحَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ الَّتِي قَطَعَ الْعَدُوُّ [الْمِيَاهَ] مِنْهَا، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ قَطَنُ بْنُ قُتَيْبَةَ، فَلَقِيَهُمُ الْعَدُوُّ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَجَهِدُوا مِنَ الْعَطَشِ، فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةٍ، (فَعَجَزَ النَّاسُ عَنِ الْقِتَالِ) ، فَحَرَّضَ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ النَّاسَ، فَقَالَ: الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ أَكْرَمُ فِي الدُّنْيَا وَأَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمَوْتِ عَطَشًا. وَتَقَدَّمَ الْحَارِثُ وَقَطَنٌ فِي فَوَارِسَ مِنْ تَمِيمٍ، فَقَاتَلُوا حَتَّى أَزَالُوا التُّرْكَ عَنِ الْمَاءِ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا.
ثُمَّ مَرَّ ثَابِتُ قُطْنَةَ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ دِثَارٍ الْبَاهِلِيِّ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي الْجِهَادِ؟ فَقَالَ: أَمْهِلْنِي حَتَّى أَغْتَسِلَ وَأَتَحَنَّطَ. فَوَقَفَ لَهُ حَتَّى اغْتَسَلَ ثُمَّ مَضَيَا، وَقَالَ ثَابِتٌ لِأَصْحَابِهِ: أَنَا أَعْلَمُ بِقِتَالِ هَؤُلَاءِ مِنْكُمْ، وَحَرَّضَهُمْ، فَحَمَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَقَالَ ثَابِتُ قُطْنَةَ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَنْتُ ضَيْفَ ابْنِ بِسْطَامٍ الْبَارِحَةَ، فَاجْعَلْنِي ضَيْفَكَ اللَّيْلَةَ، وَاللَّهِ لَا يَنْظُرُ إِلَيَّ بَنُو أُمَيَّةَ مَشْدُودًا فِي الْحَدِيدِ. فَحَمَلَ وَحَمَلَ أَصْحَابُهُ، فَرَجَعَ أَصْحَابُهُ وَثَبَتَ هُوَ، فَرُمِيَ بِرْذَوْنُهُ فَشَبَّ، وَضَرَبَهُ فَأَقْدَمَ، وَضُرِبَ ثَابِتٌ، فَارْتُثَّ، فَقَالَ وَهُوَ صَرِيعٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ ضَيْفًا لِابْنِ بِسْطَامٍ وَأَمْسَيْتُ ضَيْفَكَ! فَاجْعَلْ قِرَايَ مِنْكَ الْجَنَّةَ! فَقَتَلُوهُ وَقَتَلُوا مَعَهُ عِدَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُمْ: صَخْرُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ النُّعْمَانِ الْعَبْدِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ دِثَارٍ الْبَاهِلِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَمَعَ قَطَنٌ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ خَيْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَبَايَعُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute