عَلَى الْمَوْتِ، فَحَمَلُوا عَلَى الْعَدُوِّ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَكَشَفُوهُمْ، وَرَكِبَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى حَجَزَهُمُ اللَّيْلُ، وَتَفَرَّقَ الْعَدُوُّ، وَأَتَى أَشْرَسُ بُخَارَى فَحَصَرَ أَهْلَهَا.
(الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ) .
ذِكْرُ وَقْعَةِ كَمَرْجَهْ
ثُمَّ إِنَّ خَاقَانَ حَصَرَ كَمَرْجَهْ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ بُلْدَانِ خُرَاسَانَ، وَبِهَا جَمْعٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ خَاقَانَ أَهْلُ فَرْغَانَةَ وَأَفْشِينَةَ وَنَسَفَ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ بُخَارَى، فَأَغْلَقَ الْمُسْلِمُونَ الْبَابَ، وَقَطَعُوا الْقَنْطَرَةَ الَّتِي عَلَى الْخَنْدَقِ. فَأَتَاهُمُ ابْنُ خِسْرُو بْنِ يَزْدِجَرْدَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لِمَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ؟ أَنَا الَّذِي جِئْتُ بِخَاقَانَ لِيَرُدَّ عَلَيَّ مَمْلَكَتِي، وَأَنَا آخِذٌ لَكُمُ الْأَمَانَ. فَشَتَمُوهُ. وَأَتَاهُمْ بَازَغْرَى فِي مِائَتَيْنِ، وَكَانَ دَاهِيَةً، وَكَانَ خَاقَانُ لَا يُخَالِفُهُ، فَدَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمَانٍ، وَقَالَ: لِيَنْزِلَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ أُكَلِّمُهُ بِمَا أَرْسَلَنِي بِهِ خَاقَانُ. فَأَحْدَرُوا يَزِيدَ بْنَ سَعِيدٍ الْبَاهِلِيَّ، وَكَانَ يَفْهَمُ بِالتُّرْكِيَّةِ يَسِيرًا، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ خَاقَانَ أَرْسَلَنِي، وَهُوَ يَقُولُ إِنِّي أَجْعَلُ مَنْ عَطَاؤُهُ مِنْكُمْ سِتُّمِائَةٍ أَلْفًا، وَمِنْ عَطَاؤُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ سِتَّمِائَةٍ، وَهُوَ يُحْسِنُ إِلَيْكُمْ. فَقَالَ [لَهُ] يَزِيدُ: كَيْفَ تَكُونُ الْعَرَبُ وَهُمْ ذِئَابٌ مَعَ التُّرْكِ وَهُمْ شَاءٌ! لَا يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ صُلْحٌ. فَغَضِبَ بَازَغْرَى، وَكَانَ مَعَهُ تُرْكِيَّانِ، فَقَالَا: أَلَا تَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ نَزَلَ بِأَمَانٍ. وَفَهِمَ يَزِيدُ مَا قَالَا، فَخَافَ، فَقَالَ: بَلَى إِنَّمَا تَجْعَلُونَنَا نِصْفَيْنِ، فَيَكُونُ نَصْفُنَا مَعَ أَثْقَالِنَا، وَيَسِيرُ النِّصْفُ مَعَكُمْ، فَإِنْ ظَفِرْتُمْ فَنَحْنُ مَعَكُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ كُنَّا كَسَائِرِ مَدَائِنِ الصُّغْدِ. فَرَضُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ: أَعْرِضُ عَلَى أَصْحَابِي هَذَا. وَصَعِدَ فِي الْحَبْلِ، فَلَمَّا صَارَ عَلَى السُّورِ نَادَى: يَا أَهْلَ كَمْرَجَهْ، اجْتَمِعُوا، فَقَدْ جَاءَكُمْ قَوْمٌ يَدْعُونَكُمْ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَمَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: لَا نُجِيبُ وَلَا نَرْضَى. قَالَ: يَدْعُونَكُمْ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا: نَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَرُدَّ بَازَغْرَى.
ثُمَّ أَمَرَ خَاقَانُ بِقَطْعِ الْخَنْدَقِ، فَجَعَلُوا يُلْقُونَ الْحَطَبَ الرَّطْبَ، وَيُلْقِي الْمُسْلِمُونَ الْحَطَبَ الْيَابِسَ، حَتَّى سُوِّيَ الْخَنْدَقُ، فَأَشْعَلُوا فِيهِ النِّيرَانَ، وَهَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ صُنْعًا مِنَ اللَّهِ، فَاحْتَرَقَ الْحَطَبُ، وَكَانُوا جَمَعُوهُ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ، فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.
ثُمَّ فَرَّقَ خَاقَانُ عَلَى التُّرْكِ أَغْنَامًا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا لَحْمَهَا، وَيَحْشُوا جُلُودَهَا تُرَابًا، وَيَكْبِسُوا خَنْدَقَهَا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ سَحَابَةً فَمَطَرَتْ مَطَرًا شَدِيدًا، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ مَا فِي الْخَنْدَقِ، وَأَلْقَاهُ فِي النَّهْرِ الْأَعْظَمِ. وَرَمَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالسِّهَامِ، فَأَصَابَتْ بَازَغْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute