للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نُشَّابَةٌ فِي سُرَّتِهِ فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ بِمَوْتِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ. فَلَمَّا امْتَدَّ النَّهَارُ جَاءُوا بِالْأَسْرَى الَّتِي عِنْدَهُمْ، وَهُمْ مِائَةٌ، فِيهِمْ أَبُو الْعَوْجَاءِ الْعَتَكِيُّ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ حُمَيْدٍ النَّضْرِيُّ، فَقَتَلُوهُمْ وَرَمَوْا بِرَأْسِ الْحَجَّاجِ، وَكَانَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِائَتَانِ مِنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ رَهَائِنَ، فَقَتَلُوهُمْ وَاسْتَمَاتُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ.

وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ كَمَرْجَهْ كَذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَتْ جُنُودُ الْعَرَبِ فَنَزَلَتْ فَرْغَانَةَ، فَعَيَّرَ خَاقَانُ أَهْلَ الصُّغْدِ، وَفَرْغَانَةَ، وَالشَّاشِ، وَالدَّهَاقِينَ، وَقَالَ: زَعَمْتُمْ أَنَّ فِي هَذِهِ خَمْسِينَ حِمَارًا، وَأَنَّا نَفْتَحُهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَصَارَتِ الْخَمْسَةُ شَهْرَيْنِ. وَأَمَرَهُمْ بِالرَّحِيلِ وَشَتَمَهُمْ، فَقَالُوا: مَا نَدَعُ جُهْدًا، فَأَحْضِرْنَا غَدًا، وَانْظُرْ مَا نَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَقَفَ خَاقَانُ، وَتَقَدَّمَ الطَّارْبَنْدُ، فَقَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةً، وَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى ثُلْمَةٍ إِلَى جَنْبِ بَيْتٍ فِيهِ مَرِيضٌ مِنْ تَمِيمٍ، فَرَمَاهُ التَّمِيمِيُّ بِكَلُّوبٍ، فَتَعَلَّقَ بِدِرْعِهِ، ثُمَّ نَادَى النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، فَجَذَبُوهُ فَسَقَطَ لِوَجْهِهِ، وَرَمَاهُ رَجُلٌ بِحَجَرٍ، فَأَصَابَ أَصْلَ أُذُنِهِ، فَصُرِعَ، وَطَعَنَهُ آخَرُ، فَقَتَلَهُ، فَاشْتَدَّ قَتْلُهُ عَلَى التُّرْكِ.

وَأَرْسَلَ خَاقَانُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَأْيِنَا أَنْ نَرْتَحِلَ عَنْ مَدِينَةٍ نُحَاصِرُهَا دُونَ افْتِتَاحِهَا، أَوْ تَرَحُّلِهِمْ عَنْهَا. فَقَالُوا لَهُ: لَيْسَ مِنْ دِينِنَا أَنْ نُعْطِيَ بِأَيْدِينَا حَتَّى نُقْتَلَ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ. فَأَعْطَاهُمُ التُّرْكُ الْأَمَانَ أَنْ يَرْحَلَ خَاقَانُ عَنْهُمْ وَيَرْحَلُوا هُمْ (عَنْهَا إِلَى سَمَرْقَنْدَ أَوِ الدَّبُّوسِيَّةَ، فَرَأَى أَهْلُ كَمَرْجَهْ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْحِصَارِ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، فَأَخَذُوا مِنَ التُّرْكِ رَهَائِنَ أَنْ لَا يَعْرِضُوا لَهُمْ، وَطَلَبُوا أَنَّ كُورُصُولَ التُّرْكِيَّ يَكُونُ مَعَهُمْ فِي جَمَاعَةٍ) لِيَمْنَعَهُمْ إِلَى الدَّبُّوسِيَّةِ، فَسَلَّمُوا إِلَيْهِمُ الرَّهَائِنَ وَأَخَذُوا أَيْضًا هُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَهَائِنَ، وَارْتَحَلَ خَاقَانُ عَنْهُمْ، ثُمَّ رَحَلُوا هُمْ بَعْدَهُ، فَقَالَ الْأَتْرَاكُ الَّذِينَ مَعَ كُورُصُولَ: إِنَّ بِالدَّبُّوسِيَّةِ عَشْرَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَخْرُجُوا عَلَيْنَا. فَقَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ: إِنْ قَاتَلُوكُمْ قَاتَلْنَاهُمْ مَعَكُمْ.

فَسَارُوا، فَلَمَّا صَارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الدَّبُّوسِيَّةِ فَرْسَخٌ نَظَرَ أَهْلُهَا إِلَى الْفُرْسَانِ فَظَنُّوا أَنَّ كَمَرْجَهْ فُتِحَتْ، وَأَنَّ خَاقَانَ قَدْ قَصَدَهُمْ، فَتَأَهَّبُوا لِلْحَرْبِ، فَأَرْسَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ يُخْبِرُونَهُمْ خَبَرَهُمْ، فَالْتَقَوْهُمْ وَحَمَلُوا مَنْ كَانَ يَضْعُفُ عَنِ الْمَشْيِ وَمَنْ كَانَ مَجْرُوحًا. فَلَمَّا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ الدَّبُّوسِيَّةَ أَرْسَلُوا إِلَى مَنْ عِنْدَهُ الرَّهَائِنُ يُعْلِمُونَهُ بِوُصُولِهِمْ، وَيَأْمُرُونَهُ بِإِطْلَاقِهِمْ، فَجَعَلَتِ الْعَرَبُ تُطْلِقُ رَجُلًا مِنَ الرَّهْنِ وَالتُّرْكُ رَجُلًا، حَتَّى بَقِيَ سِبَاعُ بْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>