مَوَاقِفِ الْبَرْبَرِ، يَشْكُونَ إِلَيْهِ بَلْجًا وَكُلْثُومًا، فَكَتَبَ حَبِيبٌ إِلَى كُلْثُومٍ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ بَلْجًا فَعَلَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَارْحَلْ عَنِ الْبَلَدِ وَإِلَّا رَدَدْنَا أَعِنَّةَ الْخَيْلِ إِلَيْكَ.
فَاعْتَذَرَ كُلْثُومٌ وَسَارَ إِلَى حَبِيبٍ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ بَلْجُ بْنُ بِشْرٍ، فَاسْتَخَفَّ بِحَبِيبٍ وَسَبَّهُ، وَجَرَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا وَاجْتَمَعُوا عَلَى قِتَالِ الْبَرْبَرِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمُ الْبَرْبَرُ مِنْ طَنْجَةَ، فَقَالَ لَهُمْ حَبِيبٌ: اجْعَلُوا الرَّجَّالَةَ لِلرَّجَّالَةِ وَالْخَيَّالَةَ لِلْخَيَّالَةِ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ كُلْثُومٌ بِالْخَيْلِ، فَقَاتَلَهُ رَجَّالَةُ الْبَرْبَرِ فَهَزَمُوهُ، فَعَادَ إِلَى كُلْثُومٍ مُنْهَزِمًا، وَوَهَّنَ النَّاسَ ذَلِكَ وَنَشِبَ الْقِتَالُ، وَانْكَشَفَتْ خَيَّالَةُ الْبَرْبَرِ وَثَبَتَتْ رَجَّالَتُهَا وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ وَكَثُرَ الْبَرْبَرُ عَلَيْهِمْ، فَقُتِلَ كُلْثُومُ بْنُ عِيَاضٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَوُجُوهُ الْعَرَبِ، وَانْهَزَمَتِ الْعَرَبُ وَتَفَرَّقُوا.
فَمَضَى أَهْلُ الشَّامِ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَمَعَهُمْ بَلْجُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَعَادَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْقَيْرَوَانِ.
فَلَمَّا ضَعُفَتِ الْعَرَبُ بِهَذِهِ الْوَقْعَةِ ظَهَرَ إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ عُكَّاشَةُ (بْنُ أَيُّوبَ الْفَزَارِيُّ بِمَدِينَةِ قَابِسَ، وَهُوَ عَلَى رَأْيِ الْخَوَارِجِ الصُّفْرِيَّةِ، فَسَارَ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنَ الْقَيْرَوَانِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ الْقَيْرَوَانِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَسْكَرٌ آخَرُ فَانْهَزَمَ عُكَّاشَةُ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَحِقَ عُكَّاشَةُ) بِبِلَادِ الرَّمْلِ.
فَلَمَّا بَلَغَ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَتْلُ كُلْثُومٍ بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ حَنْظَلَةَ بْنَ صَفْوَانَ الْكَلْبِيَّ، فَوَصَلَهَا فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَلَمْ يَمْكُثْ بِالْقَيْرَوَانِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى زَحَفَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ الْخَارِجِيُّ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَكَانَ حِينَ انْهَزَمَ حَشَدَهُمْ لِيَأْخُذَ بِثَأْرِهِ وَأَعَانَهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يَزِيدَ الْهَوَّارِيُّ ثُمَّ الْمُدْغَمِيُّ، وَكَانَ صُفْرِيًّا، فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ وَافْتَرَقَا لِيَقْصِدَا الْقَيْرَوَانَ مِنْ جِهَتَيْنِ، فَلَمَّا قَرُبَ عُكَّاشَةُ خَرَجَ إِلَيْهِ حَنْظَلَةُ وَلَقِيَهُ مُنْفَرِدًا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَ عُكَّاشَةُ وَقُتِلَ مِنَ الْبَرْبَرِ مَا لَا يُحْصَى، وَعَادَ حَنْظَلَةُ إِلَى الْقَيْرَوَانِ خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيفًا عُدَّتُهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، فَسَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَارَبُوهُ لَمْ يَجِدُوا شَعِيرًا يُطْعِمُونَهُ دَوَابَّهُمْ فَأَطْعَمُوهَا حِنْطَةً، ثُمَّ لَقُوهُ مِنَ الْغَدِ فَانْهَزَمُوا مِنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَعَادُوا إِلَى الْقَيْرَوَانِ، وَهَلَكَتْ دَوَابُّهُمْ بِسَبَبِ الْحِنْطَةِ.
فَلَمَّا وَصَلُوهَا نَظَرُوا وَإِذَا قَدْ هَلَكَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ أَلْفَ فَرَسٍ، وَسَارَ عَبْدُ الْوَاحِدِ فَنَزَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْقَيْرَوَانِ بِمَوْضِعٍ يُعْرَفُ بِالْأَصْنَامِ، وَقَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَحَشَدَ حَنْظَلَةُ كُلَّ مَنْ بِالْقَيْرَوَانِ وَفَرَّقَ فِيهِمُ السِّلَاحَ وَالْمَالَ، فَكَثُرَ جَمْعُهُ، فَلَمَّا دَنَا الْخَوَارِجُ مَعَ عَبْدِ الْوَاحِدِ خَرَجَ إِلَيْهِمْ حَنْظَلَةُ مِنَ الْقَيْرَوَانِ وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، وَقَامَ الْعُلَمَاءُ فِي أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ يَحُثُّونَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَيُذَكِّرُونَهُمْ مَا يَفْعَلُونَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute