للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ عَلَى طَنْجَةَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ، وَجَعَلَ مَعَهُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرَادِيَّ، فَأَسَاءَ السِّيرَةَ وَتَعَدَّى، وَأَرَادَ أَنْ يُخَمِّسَ مُسْلِمِي الْبَرْبَرِ، وَزَعَمَ أَنَّهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ شَيْءٌ لَمْ يَرْتَكِبْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ الْبَرْبَرُ بِمَسِيرِ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدَةَ إِلَى صِقِلِّيَّةَ بِالْعَسَاكِرِ طَمِعُوا وَنَقَضُوا الصُّلْحَ عَلَى ابْنِ الْحَبْحَابِ، وَتَدَاعَتْ عَلَيْهِ بِأَسْرِهَا مُسْلِمُهَا وَكَافِرُهَا، وَعَظُمَ الْبَلَاءُ، وَقَدَّمَ مَنْ بِطَنْجَةَ مِنَ الْبَرْبَرِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَيْسَرَةَ السَّقَّاءَ ثُمَّ الْمَدْغُورِيَّ، وَكَانَ خَارِجِيًّا صُفَرِيًّا وَسَقَّاءً، وَقَصَدُوا طَنْجَةَ، فَقَاتَلَهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَتَلُوهُ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى طَنْجَةَ، وَبَايَعُوا مَيْسَرَةَ بِالْخِلَافَةِ وَخُوطِبَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَقَوِيَ أَمْرُهُ بِنَوَاحِي طَنْجَةَ.

وَظَهَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَمَاعَةٌ بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَأَظْهَرُوا مَقَالَةَ الْخَوَارِجِ، فَأَرْسَلَ ابْنُ الْحَبْحَابِ إِلَى حَبِيبٍ وَهُوَ بِصِقِلِّيَّةَ يَسْتَدْعِيهِ إِلَيْهِ لِقِتَالِ مَيْسَرَةَ السَّقَّاءِ، لِأَنَّ أَمْرَهُ كَانَ قَدْ عَظُمَ، فَعَادَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ.

وَكَانَ ابْنُ الْحَبْحَابِ قَدْ سَيَّرَ خَالِدَ بْنَ حَبِيبٍ فِي جَيْشٍ إِلَى مَيْسَرَةَ، فَلَمَّا وَصَلَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ سَيَّرَهُ فِي أَثَرِهِ، وَالْتَقَى خَالِدٌ وَمَيْسَرَةُ بِنَوَاحِي طَنْجَةَ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَعَادَ مَيْسَرَةُ إِلَى طَنْجَةَ، فَأَنْكَرَتِ الْبَرْبَرُ سِيرَتَهُ، وَكَانُوا بَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، فَقَتَلُوهُ وَوَلَّوْا أَمْرَهُمْ خَالِدَ بْنَ حُمَيْدٍ الزَّنَاتِيَّ، ثُمَّ الْتَقَى خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَمَعَهُ الْبَرْبَرُ بِخَالِدِ بْنِ حَبِيبٍ وَمَعَهُ الْعَرَبُ وَعَسْكَرُ هِشَامٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ شَدِيدٌ صَبَرَتْ فِيهِ الْعَرَبُ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ كَمِينٌ مِنَ الْبَرْبَرِ فَانْهَزَمُوا، وَكَرِهَ خَالِدُ بْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَنْهَزِمَ مِنَ الْبَرْبَرِ فَصَبَرُوا مَعَهُ فَقُتِلُوا جَمِيعُهُمْ.

وَقُتِلَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ حُمَاةُ الْعَرَبِ وَفُرْسَانُهَا، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ الْأَشْرَافِ، وَانْتَقَضَتِ الْبِلَادُ، وَخَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ، وَبَلَغَ أَهْلَ الْأَنْدَلُسِ الْخَبَرُ فَثَارُوا بِأَمِيرِهِمْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ فَعَزَلُوهُ وَوَلَّوْا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ قَطَنٍ، فَاخْتَلَطَتِ الْأُمُورُ عَلَى ابْنِ الْحَبْحَابِ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ: لَأَغْضَبَنَّ لِلْعَرَبِ غَضْبَةً، وَأُسَيِّرُ جَيْشًا يَكُونُ أَوَّلُهُمْ عِنْدَهُمْ وَآخِرُهُمْ عِنْدِي، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الْحَبْحَابِ يَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ، فَسَارَ إِلَيْهِ فِي جُمَادَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَاسْتَعْمَلَ هِشَامٌ عِوَضَهُ كُلْثُومَ بْنَ عِيَاضٍ الْقُشَيْرِيَّ وَسَيَّرَ مَعَهُ جَيْشًا كَثِيفًا، وَكَتَبَ إِلَى سَائِرِ الْبِلَادِ الَّتِي عَلَى طَرِيقِهِ بِالْمَسِيرِ مَعَهُ، فَوَصَلَ إِفْرِيقِيَّةَ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ بَلْجُ بْنُ بِشْرٍ، فَوَصَلَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ وَلَقِيَ أَهْلَهَا بِالْجَفَاءِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَيْهِمْ، وَأَرَادَ أَنْ يُنْزِلَ الْعَسْكَرَ الَّذِي مَعَهُ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَكَتَبَ أَهْلُهَا إِلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَهُوَ بِتِلْمِسَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>