للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: نَحْنُ وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ ... كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي

صِيدَتْ وَاللَّهِ الْعَقَارِبُ بِيَدَيْكَ! إِنَّا نَاسٌ مِنْ قَوْمِكَ! وَإِنَّ الْمُضَرِيَّةَ رَفَعُوا إِلَيْكَ هَذَا لِأَنَّا كُنَّا أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ فَطَلَبُوا بِثَأْرِهِمْ. فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى الْحَبْسِ، ثُمَّ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُعَيْمٍ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَمُنَّ بِهِمْ عَلَى عَشَائِرِهِمْ. قَالَ: لَا أَفْعَلُ، فَأَطْلَقَ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ، وَمَنْ كَانَ مِنْ رَبِيعَةَ أَطْلَقَهُ أَيْضًا لِحِلْفِهِمْ مَعَ الْيَمَنِ، وَأَرَادَ قَتْلَ مَنْ كَانَ مِنْ مُضَرَ، فَدَعَا مُوسَى بْنَ كَعْبٍ، وَأَلْجَمَهُ بِلِجَامِ حِمَارٍ، جَذَبَ اللِّجَامَ فَتَحَطَّمَتْ أَسْنَانُهُ وَدَقَّ وَجْهَهُ وَأَنْفَهُ، وَدَعَا لَاهِزَ بْنَ قُرَيْظٍ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا بِحَقٍّ، تَصْنَعُ بِنَا هَذَا وَتَتْرُكُ الْيَمَانِيِّينَ وَالرَّبِيعِيِّينَ؟ فَضَرَبَهُ ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ، فَشَهِدَ لَهُ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ الْأَزْدِيُّ بِالْبَرَاءَةِ وَلِأَصْحَابِهِ فَتَرَكَهُمْ.

ذِكْرُ وِلَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَبْحَابِ إِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَالْأَنْدَلُسِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَبْحَابِ وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مِصْرَ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا وَلَدَهُ وَسَارَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْأَنْدَلُسِ عُقْبَةَ بْنَ (الْحَجَّاجِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى طَنْجَةَ ابْنَهُ إِسْمَاعِيلَ، وَبَعَثَ حَبِيبَ بْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ) نَافِعٍ غَازِيًا إِلَى الْمَغْرِبِ، فَبَلَغَ السُّوسَ الْأَقْصَى وَأَرْضَ السُّودَانِ، فَلَمْ يُقَاتِلْهُ أَحَدٌ إِلَّا ظَهَرَ عَلَيْهِ، وَأَصَابَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَالسَّبْيِ أَمْرًا عَظِيمًا، فَمُلِئَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ مِنْهُ رُعْبًا، وَأَصَابَ بِالسَّبْيِ جَارِيَتَيْنِ مِنَ الْبَرْبَرِ لَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غَيْرُ ثَدْيٍ وَاحِدٍ، وَرَجَعَ سَالِمًا. وَسَيَّرَ جَيْشًا فِي الْبَحْرِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ إِلَى جَزِيرَةِ السَّرْدَانِيَّةِ، فَفَتَحُوا مِنْهَا وَنَهَبُوا وَعَادُوا. ثُمَّ سَيَّرَهُ غَازِيًا إِلَى جَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَةٍ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ، فَلَمَّا نَزَلَ بِأَرْضِهَا وَجَّهَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى الْخَيْلِ، فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ إِلَّا هَزَمَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَظَفِرَ ظَفَرًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى مَدِينَةِ سَرَقُوسَةَ، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ مُدُنِ صِقِلِّيَّةَ، فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمَهُمْ وَحَصَرَهُمْ، فَصَالَحُوهُ عَلَى الْجِزْيَةِ، وَعَادَ إِلَى أَبِيهِ، وَعَزَمَ حَبِيبٌ عَلَى الْمُقَامِ بِصِقِلِّيَةَ إِلَى أَنْ يَمْلِكَهَا جَمِيعًا، فَأَتَاهُ كِتَابُ ابْنِ الْحَبْحَابِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>