للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهَجَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَارِثِ، فَطَلَبُوا الْأَمَانَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَسَدٌ: مَا تَطْلُبُونَ؟ قَالُوا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ لَا تَأْخُذَ أَهْلَ الْمُدُنِ بِجِنَايَتِنَا. فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ يَحْيَى بْنَ نُعَيْمِ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيَّ وَسَارَ يُرِيدُ بَلْخًا، فَأُخْبِرَ أَنَّ أَهْلَهَا قَدْ بَايَعُوا سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَهَا وَاتَّخَذَ سُفُنًا وَسَارَ مِنْهَا إِلَى تِرْمِذَ، فَوَجَدَ الْحَارِثَ مُحَاصِرًا لَهَا، وَبِهَا سِنَانٌ الْأَعْرَابِيُّ، فَنَزَلَ أَسَدٌ دُونَ النَّهْرِ وَلَمْ يُطِقِ الْعُبُورَ إِلَيْهِمْ وَلَا يُمِدُّهُمْ، وَخَرَجَ أَهْلُ تِرْمِذَ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَاتَلُوا الْحَارِثَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَاسْتَطْرَدَ الْحَارِثُ لَهُمْ، وَكَانَ قَدْ وَضَعَ كَمِينًا، فَتَبِعُوهُ، وَنَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ مَعَ أَسَدٍ جَالِسٌ يَنْظُرُ، فَأَظْهَرَ الْكَرَاهِيَةَ، وَعَرَفَ أَنَّ الْحَارِثَ قَدْ كَادَهُمْ، وَظَنَّ أَسَدٌ أَنَّمَا ذَلِكَ شَفَقَةٌ عَلَى الْحَارِثِ حِينَ وَلِيَ، وَأَرَادَ مُعَاتَبَةَ نَصْرٍ، وَإِذَا الْكَمِينُ قَدْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا.

ثُمَّ ارْتَحَلَ أَسَدٌ إِلَى بَلْخٍ، وَخَرَجَ أَهْلُ تِرْمِذَ إِلَى الْحَارِثِ فَهَزَمُوهُ وَقَتَلُوا جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ، مِنْهُمْ: عِكْرِمَةُ وَأَبُو فَاطِمَةَ. ثُمَّ سَارَ أَسَدٌ إِلَى سَمَرْقَنْدَ فِي طَرِيقِ زُمَّ، فَلَمَّا قَدِمَ زُمَّ بَعَثَ إِلَى الْهَيْثَمِ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ فِي حِصْنٍ مِنْ حُصُونِهَا، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَارِثِ، فَقَالَ لَهُ أَسَدٌ: إِنَّمَا أَنْكَرْتُمْ [عَلَى قَوْمِكُمْ] مَا كَانَ مِنْ سُوءِ السِّيرَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ السَّبْيَ وَاسْتِحْلَالَ الْفُرُوجِ وَلَا غَلَبَةَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مِثْلِ سَمَرْقَنْدَ، وَأَنَا أُرِيدُ سَمَرْقَنْدَ، وَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَنْ لَا يَنَالَكَ مِنِّي شَرٌّ، وَلَكَ الْمُوَاسَاةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْأَمَانُ (وَلِمَنْ مَعَكَ، وَإِنْ أَبَيْتَ مَا دَعَوْتُكَ إِلَيْهِ فَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إِنْ أَنْتَ رُمِيتَ بِسَهْمٍ أَنْ لَا أُؤَمِّنَكَ بَعْدَهُ، وَإِنْ جَعَلْتُ لَكَ أَلْفَ أَمَانٍ لَا أَفِي لَكَ بِهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَلَى الْأَمَانِ) ، وَسَارَ مَعَهُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ إِلَى وَرَغْسَرَ، وَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ مِنْهَا، فَسَكَّرَ الْوَادِيَ وَصَرَفَهُ عَنْ سَمَرْقَنْدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَلْخٍ.

وَقِيلَ: إِنَّ أَمْرَ أَسَدٍ وَأَصْحَابِ الْحَارِثِ كَانَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ.

ذِكْرُ حَالِ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ

قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ أَخَذَ أَسَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ جَمَاعَةً مِنْ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ بِخُرَاسَانَ، فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَمَثَّلَ بِبَعْضِهِمْ وَحَبَسَ بَعْضَهُمْ، وَكَانَ فِيمَنْ أَخَذَ: سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، وَمَالِكُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَمُوسَى بْنُ كَعْبٍ، وَلَاهِزُ بْنُ قُرَيْظٍ، وَخَالِدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَطَلْحَةُ بْنُ زُرَيْقٍ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَالَ [لَهُمْ] : يَا فَسَقَةُ، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥] ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>