للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْبَحَ لَمْ يَرَ خَاقَانَ، فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ، فَقَالُوا لَهُ: اقْبَلِ الْعَافِيَةَ. قَالَ: مَا هَذِهِ عَافِيَةٌ! هَذِهِ بَلِيَّةٌ! إِنَّ خَاقَانَ أَصَابَ أَمْسِ مِنَ الْجُنْدِ وَالسِّلَاحِ وَمَا مَنَعَهُ الْيَوْمَ مِنَّا إِلَّا أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهُ بَعْضُ مَنْ أَخْذَهُ مِنَ الْأَسْرَى بِمَوْضِعِ الْأَثْقَالِ أَمَامَنَا فَسَارَ طَمَعًا فِيهَا.

فَارْتَحَلَ وَبَعَثَ الطَّلَائِعَ، فَلَمَّا أَمْسَى اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي النُّزُولِ أَوِ الْمَسِيرِ، فَقَالَ النَّاسُ: اقْبَلِ الْعَافِيَةَ، وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ الْأَمْوَالِ بِعَافِيَتِنَا وَعَافِيَةِ أَهْلِ خُرَاسَانَ! وَنَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ مُطْرِقٌ. فَقَالَ لَهُ أَسَدٌ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ خُلَّتَانِ كِلْتَاهُمَا لَكَ، إِنْ تَسِرْ تُغِثْ مَنْ مَعَ الْأَثْقَالِ وَتُخَلِّصْهُمْ، فَإِنِ انْتَهَيْتَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ هَلَكُوا فَقَدْ قَطَعْتَ مَشَقَّةً لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهَا. فَقَبِلَ رَأْيَهُ وَسَارَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَدَعَا أَسَدٌ سَعِيدًا الصَّغِيرَ مَوْلَى بَاهِلَةَ، وَكَانَ فَارِسًا بِأَرْضِ الْخُتُّلِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى إِبْرَاهِيمَ يَأْمُرُهُ بِالِاسْتِعْدَادِ وَيُخْبِرُهُ بِمَسِيرِ خَاقَانَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: لِتُجِدَّ السَّيْرَ. فَطَلَبَ مِنْهُ فَرَسَهُ الذَّبُوبَ، فَقَالَ أَسَدٌ: لَعَمْرِي لَئِنْ جُدْتَ بِنَفْسِكَ وَبَخِلْتُ عَلَيْكَ بِالْفَرَسِ إِنِّي إِذًا لَلَئِيمٌ. فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ مَعَهُ جَنِيبًا وَسَارَ.

فَلَمَّا حَاذَى التُّرْكَ وَقَدْ سَارُوا نَحْوَ الْأَثْقَالِ طَلَبَتْهُ طَلَائِعُهُمْ فَرَكِبَ الذَّبُوبَ فَلَمْ يَلْحَقُوهُ، فَأَتَى إِبْرَاهِيمَ بِالْكِتَابِ. وَسَارَ خَاقَانُ إِلَى الْأَثْقَالِ، وَقَدْ خَنْدَقَ إِبْرَاهِيمُ خَنْدَقًا، فَأَتَاهُمْ وَهُمْ قِيَامٌ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ الصُّغْدَ بِقِتَالِهِمْ فَهَزَمَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَصَعِدَ خَاقَانُ تَلًّا فَجَعَلَ يَنْظُرُ لِيَرَى عَوْرَةً يَأْتِي مِنْهَا، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ، فَلَمَّا صَعِدَ التَّلَّ رَأَى خَلْفَ الْعَسْكَرِ جَزِيرَةً دُونَهَا مَخَاضَةٌ فَدَعَا بَعْضَ قُوَّادِ التُّرْكِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْطَعُوا فَوْقَ الْعَسْكَرِ حَتَّى يَصِيرُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ، ثُمَّ يَنْحَدِرُوا حَتَّى يَأْتُوا عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَأَنْ يَبْدَءُوا بِالْأَعَاجِمِ وَأَهْلِ الصَّغَانِيَانِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ رَجَعُوا إِلَيْكُمْ دَخَلْنَا نَحْنُ. فَفَعَلُوا وَدَخَلُوا مِنْ نَاحِيَةِ الْأَعَاجِمِ فَقَتَلُوا صَغَانَ خُذَاهْ وَعَامَّةَ أَصْحَابِهِ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، وَدَخَلُوا عَسْكَرَ إِبْرَاهِيمَ فَأَخَذُوا جَمِيعَ مَا فِيهِ، وَتَرَكَ الْمُسْلِمُونَ التَّعْبِيَةَ وَاجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَأَحَسُّوا بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا رَهَجٌ قَدِ ارْتَفَعَ، وَإِذَا أَسَدٌ فِي جُنْدِهِ قَدْ أَتَاهُمْ، فَارْتَفَعَتِ التُّرْكُ عَنْهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ خَاقَانُ، وَإِبْرَاهِيمُ يَعْجَبُ مِنْ كَفِّهِمْ وَقَدْ ظَفِرُوا وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا وَهُوَ لَا يَطْمَعُ فِي أَسَدٍ، وَكَانَ أَسَدٌ قَدْ أَغَذَّ الْمَسِيرَ وَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى التَّلِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ خَاقَانُ، وَتَنَحَّى خَاقَانُ إِلَى نَاحِيَةِ الْجَبَلِ، فَخَرَجَ إِلَى أَسَدٍ مَنْ كَانَ بَقِيَ مَعَ الْأَثْقَالِ وَقَدْ قَتَلَ مِنْهُمْ بَشَرًا كَثِيرًا.

وَمَضَى خَاقَانُ بِالْأَسْرَى وَالْجِمَالِ الْمُوَقَرَةِ وَالْجَوَارِي، وَأَمَرَ خَاقَانُ رَجُلًا كَانَ مَعَهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>