للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابِ الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْجٍ فَنَادَى أَسَدًا: قَدْ كَانَ لَكَ فِيمَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَغْزًى، إِنَّكَ لَشَدِيدُ الْحِرْصِ، وَقَدْ كَانَ عَنِ الْخُتُّلِ مَنْدُوحَةٌ وَهِيَ أَرْضُ آبَائِي وَأَجْدَادِي. فَقَالَ أَسَدٌ: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْكَ.

وَسَارَ أَسَدٌ إِلَى بَلْخٍ فَعَسْكَرَ فِي مَرْجِهَا حَتَّى أَتَى الشِّتَاءُ، ثُمَّ فَرَّقَ النَّاسَ فِي الدُّورِ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ بِنَاحِيَةِ طَخَارِسْتَانَ فَانْضَمَّ إِلَى خَاقَانَ. فَلَمَّا كَانَ وَسَطُ الشِّتَاءِ أَقْبَلَ خَاقَانُ، وَكَانَ لَمَّا فَارَقَ أَسَدٌ أَتَى طَخَارِسْتَانَ فَأَقَامَ عِنْدَ جَبْغَوَيْهِ، فَأَقْبَلَ فَأَتَى الْجُوزَجَانَ وَبَثَّ الْغَارَاتِ.

وَسَبَبُ مَجِيئِهِ أَنَّ الْحَارِثَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا نُهُوضَ بِأَسَدٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ كَثِيرُ جُنْدٍ وَنَزَلَ جَزَّةَ، فَأَتَى الْخَبَرُ إِلَى أَسَدٍ بِنُزُولِ خَاقَانَ بِجَزَّةَ، فَأَمَرَ بِالنِّيرَانِ فَرُفِعَتْ بِالْمَدِينَةِ، فَجَاءَ النَّاسُ مِنَ الرَّسَاتِيقِ إِلَيْهَا، فَأَصْبَحَ أَسَدٌ وَصَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ، عِيدِ الْأَضْحَى، وَخَطَبَ النَّاسَ، وَقَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ الْحَارِثَ اسْتَجْلَبَ الطَّاغِيَةَ لِيُطْفِئَ نُورَ اللَّهِ وَيُبَدِّلَ دِينَهُ، وَاللَّهُ مُذِلُّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنَّ عَدُوَّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ مَنْ أَصَابَ، وَإِنْ يُرِدِ اللَّهُ نَصْرَكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ قِلَّتُكُمْ وَكَثْرَتُهُمْ، فَاسْتَنْصِرُوا اللَّهَ، وَإِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا وَضَعَ جَبْهَتَهُ لَهُ، وَإِنِّي نَازِلٌ وَوَاضِعٌ جَبْهَتِي، فَاسْجُدُوا لَهُ وَادْعُوا مُخْلِصِينَ.

فَفَعَلُوا وَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَلَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ نَزَلَ وَضَحَّى وَشَاوَرَ النَّاسَ فِي الْمَسِيرِ إِلَى خَاقَانَ، قَالَ قَوْمٌ: تَحْفَظُ مَدِينَةَ بَلْخٍ وَتَكْتُبُ إِلَى خَالِدٍ وَالْخَلِيفَةِ تَسْتَمِدُّهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: تَأْخُذُ فِي طَرِيقِ زُمَّ فَتَسْبِقُ خَاقَانَ إِلَى مَرْوَ. وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ تَخْرُجُ إِلَيْهِمْ. فَوَافَقَ هَذَا رَأْيَ أَسَدٍ، وَكَانَ عَزَمَ عَلَى لِقَائِهِمْ، فَخَرَجَ بِالنَّاسِ وَهُوَ فِي سَبْعَةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَالشَّامِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى بَلْخٍ الْكَرْمَانِيَّ بْنَ عَلِيٍّ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَدَعَ أَحَدًا يَخْرُجُ مِنْ مَدِينَتِهَا وَإِنْ ضَرَبَ التُّرْكُ بَابَهَا. وَنَزَلَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ بَلْخٍ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ طَوَّلَهُمَا، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَنَادَى فِي النَّاسِ: ادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى، وَأَطَالَ الدُّعَاءَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: نُصِرْتُمْ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى! ثُمَّ سَارَ، فَلَمَّا جَازَ قَنْطَرَةَ عَطَاءٍ نَزَلَ، وَأَرَادَ الْمُقَامَ حَتَّى يَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالرَّحِيلِ وَقَالَ: لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى الْمُتَخَلِّفِينَ.

ثُمَّ ارْتَحَلَ وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ سَالِمُ بْنُ مَنْصُورٍ الْبَجَلِيُّ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ، فَلَقِيَ ثَلَاثَمِائَةٍ مِنَ التُّرْكِ طَلِيعَةً لِخَاقَانَ، فَأَسَرَ قَائِدَهُمْ وَسَبْعَةً مَعَهُ، وَهَرَبَ بَقِيَّتُهُمْ، فَأُتِيَ بِهِ أَسَدٌ فَبَكَى

<<  <  ج: ص:  >  >>