التُّرْكِيُّ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَبْكِي لِنَفْسِي وَلَكِنِّي أَبْكِي لِهَلَاكِ خَاقَانَ، إِنَّهُ قَدْ فَرَّقَ جُنُودَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرْوَ.
فَسَارَ أَسَدٌ حَتَّى شَارَفَ مَدِينَةَ الْجُوزَجَانِ فَنَزَلَ عَلَيْهَا عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ خَاقَانَ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبَاحَهَا خَاقَانُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَرَاءَى الْعَسْكَرَانِ، فَقَالَ خَاقَانُ لِلْحَارِثِ بْنِ سُرَيْجٍ: أَلَمْ تَكُنْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّ أَسَدًا لَا حَرَاكَ بِهِ وَهَذِهِ الْعَسَاكِرُ قَدْ أَقْبَلَتْ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَرَايَتُهُ.
فَبَعَثَ خَاقَانُ طَلِيعَةً وَقَالَ: انْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ عَلَى الْإِبِلِ سَرِيرًا وَكَرَاسِيَّ؟ فَعَادُوا إِلَيْهِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا، فَقَالَ خَاقَانُ: هَذَا أَسَدٌ.
وَسَارَ أَسَدٌ قَدْرَ غَلْوَةٍ، فَلَقِيَهُ سَالِمُ بْنُ جَنَاحٍ فَقَالَ: أَبْشِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ قَدْ حَزَرْتُمْ وَلَا يَبْلُغُونَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَاقَانُ عَقِيرَةَ اللَّهِ. فَصَفَّ أَسَدٌ أَصْحَابَهُ، وَعَبَّى خَاقَانُ أَصْحَابَهُ، فَلَمَّا الْتَقَوْا حَمَلَ الْحَارِثُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الصُّغْدِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانُوا مَيْمَنَةَ خَاقَانَ عَلَى مَيْسَرَةِ أَسَدٍ، فَهَزَمَهُمْ فَلَمْ يَرُدَّهُمْ شَيْءٌ دُونَ رِوَاقِ أَسَدٍ، وَحَمَلَتْ مَيْمَنَةُ أَسَدٍ وَهُمُ الْجُوزَجَانُ وَالْأَزْدُ وَتَمِيمٌ عَلَيْهِمْ، فَانْهَزَمَ الْحَارِثُ وَمَنْ مَعَهُ وَانْهَزَمَتِ التُّرْكُ جَمِيعُهَا، وَحَمَلَ النَّاسُ جَمِيعًا فَتَفَرَّقَ التُّرْكُ فِي الْأَرْضِ لَا يَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ، فَتَبِعَهُمُ النَّاسُ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ يَقْتُلُونَ [مَنْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ] حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى أَغْنَامِهِمْ وَأَخَذُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ رَأْسٍ وَدَوَابَّ كَثِيرَةً.
وَأَخَذَ خَاقَانُ طَرِيقًا فِي الْجَبَلِ وَالْحَارِثُ يَحْمِيهِ، وَسَارَ مُنْهَزِمًا، فَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ لِعُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: إِنِّي لَأَعْلَمُ بِبِلَادِي وَبِطُرُقِهَا، فَهَلْ تَتْبَعُنِي لَعَلَّنَا نُهْلِكُ خَاقَانَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَخَذَا طَرِيقًا وَسَارَا وَمَنْ مَعَهُمَا حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى خَاقَانَ فَأَوْقَعُوا بِهِ، فَوَلَّى مُنْهَزِمًا، فَحَوَى الْمُسْلِمُونَ عَسْكَرَ التُّرْكِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَوَجَدُوا فِيهِ مِنْ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَالْمُوَلِّيَاتِ مِنْ نِسَاءِ التُّرْكِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. (وَوَحِلَ بِخَاقَانَ بِرْذَوْنُهُ فَحَمَاهُ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجٍ، وَلَمْ يُعْلِمِ النَّاسَ أَنَّهُ خَاقَانُ) ، (وَأَرَادَ الْخَصِيُّ الَّذِي لِخَاقَانَ أَنْ يَحْمِلَ امْرَأَةَ خَاقَانَ) فَأَعْجَلُوهُ فَقَتَلَهَا، وَاسْتَنْقَذُوا مَنْ كَانَ مَعَ خَاقَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَتَتَبَّعَ أَسَدٌ خَيْلَ التُّرْكِ الَّتِي فَرَّقَهَا فِي الْغَارَةِ إِلَى مَرْوِ الرُّوذِ وَغَيْرِهَا فَقَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ غَيْرُ الْقَلِيلِ، وَرَجَعَ إِلَى بَلْخٍ. وَكَانَ بِشْرٌ الْكَرْمَانِيُّ فِي السَّرَايَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute