فَيُصِيبُونَ مِنَ التُّرْكِ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ وَأَكْثَرَ.
وَمَضَى خَاقَانُ إِلَى طَخَارِسْتَانَ وَأَقَامَ عِنْدَ جَبْغَوَيْهِ الْخَزْلَجِيِّ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى بِلَادِهِ، فَلَمَّا وَرَدَ أُشْرُوسَنَةَ تَلَقَّاهُ خَرَابُغْرَهْ أَبُو خَانَاجِزَهْ جَدُّ كَاوُوسَ أَبِي أَفْشِينَ بِكُلِّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مَا بَيْنَهُمَا مُتَبَاعِدًا، إِلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَتَّخِذَ عِنْدَهُ يَدًا. ثُمَّ أَتَى خَاقَانُ بِلَادَهُ وَاسْتَعَدَّ لِلْحَرْبِ وَمُحَاصَرَةِ سَمَرْقَنْدَ، وَحَمَلَ الْحَارِثَ وَأَصْحَابَهُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافِ بِرْذَوْنٍ. فَلَاعَبَ خَاقَانُ يَوْمًا كُورْصُولَ بِالنَّرْدِ عَلَى خَطَرٍ، فَتَنَازَعَا، فَضَرَبَ كُورْصُولُ يَدَ خَاقَانَ وَكَسَرَهَا، وَتَنَحَّى وَجَمَعَ جَمْعًا، وَبَلَغَهُ أَنَّ خَاقَانَ قَدْ حَلَفَ لَيَكْسِرَنَّ يَدَهُ، فَبَيَّتَ خَاقَانَ فَقَتَلَهُ، وَتَفَرَّقَتِ التُّرْكُ وَتَرَكُوهُ مُجَرَّدًا، فَأَتَاهُ نَفَرٌ مِنَ التُّرْكِ فَدَفَنُوهُ. وَاشْتَغَلَتِ التُّرْكُ يُغِيرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَمِعَ أَهْلُ الصُّغْدِ فِي الرَّجْعَةِ إِلَيْهَا.
وَأَرْسَلَ أَسَدٌ مُبَشِّرًا إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَبِقَتْلِ خَاقَانَ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَقَالَ لِلرَّبِيعِ حَاجِبِهِ: لَا أَظُنُّ هَذَا صَادِقًا، اذْهَبْ فَعُدْهُ ثُمَّ سَلْهُ عَمَّا يَقُولُ، فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ هِشَامًا، ثُمَّ أَرْسَلَ أَسَدٌ مُبَشِّرًا آخَرَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ هِشَامٍ وَكَبَّرَ، فَأَجَابَهُ هِشَامٌ بِالتَّكْبِيرِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ أَخْبَرَهُ بِالْفَتْحِ، فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَحَسَدَتِ الْقَيْسِيَّةُ أَسَدًا وَقَالُوا لِهِشَامٍ: اكْتُبْ بِطَلَبِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ النَّبَطِيِّ، فَسَيَّرَهُ أَسَدٌ إِلَى هِشَامٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ، فَقَالَ لَهُ هِشَامٌ: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَخَذَ مِنْ أَبِي مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَى أَسَدٍ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَقَسَّمَهَا مُقَاتِلٌ بَيْنَ وَرَثَةِ حَيَّانَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ أَبُو الْهِنْدِيِّ يَذْكُرُ هَذِهِ الْوَقْعَةَ
: أَبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الْأُمُورَ وَقِسْتَهَا ... وَسَاءَلْتَ عَنْهَا كَالْحَرِيصِ الْمُسَاوِمِ
فَمَا كَانَ ذُو رَأْيٍ مِنَ النَّاسِ قِسْتَهُ ... بِرَأْيِكَ إِلَّا مِثْلَ رَأْيِ الْبَهَائِمِ
أَبَا مُنْذِرٍ لَوْلَا مَسِيرُكَ لَمْ يَكُنْ ... عِرَاقٌ وَلَا انْقَادَتْ مُلُوكُ الْأَعَاجِمِ
وَلَا حَجَّ بَيْتَ اللَّهِ مَنْ حَجَّ رَاكِبًا ... وَلَا عَمَرَ الْبَطْحَاءَ بَعْدَ الْمَوَاسِمِ
وَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ بَيْنَ سَانٍ وَجَزَّةٍ ... كَسِيرَ الْأَيَادِي مِنْ مُلُوكٍ قَمَاقِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute