للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَهُمْ، ثُمَّ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو هَاشِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِنَوْعٍ مِنَ التَّنَاسُخِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْنَى جَمِيعُهُ إِلَّا وَجْهَهُ، وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧] . تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١٣٨] .

ذِكْرُ خَبَرِ الْخَوَارِجِ هَذِهِ السَّنَةَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ بُهْلُولُ بْنُ بِشْرٍ الْمُلَقَّبُ كُثَارَةُ، وَهُوَ مِنَ الْمَوْصِلِ مِنْ شَيْبَانَ.

فَقِيلَ: وَكَانَ سَبَبُ خُرُوجِهِ أَنَّهُ خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ، فَأَمَرَ غُلَامَهُ يَبْتَاعُ لَهُ خَلًّا بِدِرْهَمٍ، فَأَتَاهُ بِخَمْرٍ، فَأَمَرَهُ بَرَدِّهَا وَأَخَذَ الدِّرْهَمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ صَاحِبُ الْخَمْرِ إِلَى ذَلِكَ، فَجَاءَ بُهْلُولٌ إِلَى عَامِلِ الْقَرْيَةِ، وَهِيَ مِنَ السَّوَادِ، فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ الْعَامِلُ: الْخَمْرُ خَيْرٌ مِنْكَ وَمِنْ قَوْلِكَ. فَمَضَى فِي حَجِّهِ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، فَلَقِيَ بِمَكَّةَ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ، فَاتَّعَدُوا قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَوْصِلِ، فَاجْتَمَعُوا بِهَا، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَأَمَّرُوا عَلَيْهِمْ بُهْلُولًا، وَكَتَمُوا أَمْرَهُمْ وَجَعَلُوا لَا يَمُرُّونَ بِعَامِلٍ إِلَّا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدِمُوا مِنْ عِنْدِ هِشَامٍ عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ، وَأَخَذُوا دَوَابَّ الْبَرِيدِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي ابْتَاعَ الْغُلَامُ بِهَا الْخَمْرَ قَالَ بُهْلُولٌ: نَبْدَأُ بِهَذَا الْعَامِلِ فَنَقْتُلُهُ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: نَحْنُ نُرِيدُ قَتْلَ خَالِدٍ، فَإِنْ بَدَأْنَا بِهَذَا شُهِرَ أَمْرُنَا وَحَذِرَنَا خَالِدٌ وَغَيْرُهُ، فَنَشَدْنَاكَ اللَّهَ أَنْ نَقْتُلَ هَذَا فَيُفْلِتُ مِنَّا خَالِدٌ الَّذِي يَهْدِمُ الْمَسَاجِدَ، وَيَبْنِي الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ، وَيُوَلِّي الْمَجُوسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُنْكِحُ أَهْلَ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمَاتِ، لَعَلَّنَا نَقْتُلُهُ فَيُرِيحُ اللَّهُ مِنْهُ. قَالَ: وَاللَّهِ لَا أَدَعُ مَا يَلْزَمُنِي لِمَا بَعْدَهُ، وَأَرْجُو أَنْ أَقْتُلَ هَذَا وَخَالِدًا، فَقَتَلَهُ، فَعَلِمَ بِهِمُ النَّاسُ أَنَّهُمْ خَوَارِجُ، وَهَرَبُوا، وَخَرَجَتِ الْبَرِيدُ إِلَى خَالِدٍ فَأَعْلَمُوهُ بِهِمْ، وَلَا يَدْرُونَ مَنْ رَئِيسُهُمْ.

فَخَرَجَ خَالِدٌ مِنْ وَاسِطٍ وَأَتَى الْحِيرَةَ، وَكَانَ بِهَا جُنْدٌ قَدْ قَدِمُوا مِنَ الشَّامِ مَدَدًا لِعَامِلِ الْهِنْدِ، فَأَمَرَهُمْ خَالِدٌ بِقِتَالِهِ وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا أَعْطَيْتُهُ عَطَاءً سِوَى مَا أَخَذَ فِي الشَّامِ، وَأَعْفَيْتُهُ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْهِنْدِ. فَسَارَعُوا إِلَى ذَلِكَ، فَتَوَجَّهَ مُقَدِّمُهُمْ، وَهُوَ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ، وَمَعَهُ سِتُّمِائَةٍ مِنْهُمْ، فَضَمَّ إِلَيْهِ خَالِدٌ مِائَتَيْنِ مِنَ الشُّرَطِ، فَالْتَقَوْا عَلَى الْفُرَاتِ، فَقَالَ الْقَيْنِيُّ لِمَنْ مَعَهُ مِنَ الشُّرَطِ: لَا تَكُونُوا مَعَنَا لِيَكُونَ الظَّفَرُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. وَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَحَمَلَ عَلَى الْقَيْنِيِّ فَأَنْفَذَهُ، وَانْهَزَمَ أَهْلُ الشَّامِ وَالشُّرَطِ، وَتَبِعَهُمْ بُهْلُولٌ وَأَصْحَابُهُ يَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى بَلَغُوا الْكُوفَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>