فَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ فَكَانُوا عَلَى خَيْلٍ جِيَادٍ فَفَاتُوهُ، وَأَمَّا شُرَطُ الْكُوفَةِ فَأَدْرَكَهُمْ، فَقَالُوا: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّا مُكْرَهُونَ مَقْهُورُونَ، فَجَعَلَ يَقْرَعُ رُءُوسَهُمْ بِالرُّمْحِ وَيَقُولُ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ. فَوَجَدَ بُهْلُولٌ مَعَ الْقَيْنِيِّ بَدْرَةً فَأَخَذَهَا.
وَكَانَ فِي الْكُوفَةِ سِتَّةٌ يَرَوْنَ رَأْيَ بُهْلُولٍ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَقُتِلُوا بِصَرِيفِينَ، فَخَرَجَ بُهْلُولٌ وَمَعَهُ الْبَدْرَةُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ حَتَّى أُعْطِيَهُ هَذِهِ الْبَدْرَةَ؟ فَجَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: نَحْنُ قَتَلْنَاهُمْ، وَهُمْ يَظُنُّونَهُ مِنْ عِنْدِ خَالِدٍ، فَقَالَ بُهْلُولٌ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ: أَصَدَقَ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَتَلَهُمْ وَتَرَكَ أَهْلَ الْقَرْيَةِ.
وَبَلَغَتِ الْهَزِيمَةُ خَالِدًا وَمَا فَعَلَ بِصَرِيفِينَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ قَائِدًا مِنْ شَيْبَانَ أَحَدَ بَنِي حَوْشَبِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُوَيْمٍ، فَلَقِيَهُ فِيمَا بَيْنَ الْمَوْصِلِ وَالْكُوفَةِ، فَانْهَزَمَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَأَتَوْا خَالِدًا. فَارْتَحَلَ بُهْلُولٌ مِنْ يَوْمِهِ يُرِيدُ الْمَوْصِلَ، فَكَتَبَ عَامِلُ الْمَوْصِلِ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِهِمْ وَيَسْأَلُهُ جُنْدًا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ هِشَامٌ: وَجِّهْ إِلَيْهِ كُثَارَةَ بْنَ بِشْرٍ. وَكَانَ هِشَامٌ لَا يَعْرِفُ بُهْلُولًا إِلَّا بِلَقَبِهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْعَامِلُ أَنَّ الْخَارِجَ هُوَ كُثَارَةُ. ثُمَّ قَالَ بُهْلُولٌ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّا وَاللَّهِ مَا نَصْنَعُ بِابْنِ النَّصْرَانِيَّةِ شَيْئًا، يَعْنِي خَالِدًا، فَلِمَ لَا نَطْلُبُ الرَّأْسَ الَّذِي سَلَّطَ خَالِدًا؟ فَسَارَ يُرِيدُ هِشَامًا بِالشَّامِ، فَخَافَ عُمَّالُ هِشَامٍ مِنْ هِشَامٍ إِنْ تَرَكُوهُ يَجُوزُ إِلَى بِلَادِهِمْ، فَسَيَّرَ خَالِدٌ جُنْدًا مِنَ الْعِرَاقِ، وَسَيَّرَ عَامِلُ الْجَزِيرَةِ جُنْدًا مِنَ الْجَزِيرَةِ، وَوَجَّهَ هِشَامٌ جُنْدًا مِنَ الشَّامِ، وَاجْتَمَعُوا بِدَيْرٍ بَيْنَ الْجَزِيرَةِ وَالْمَوْصِلِ، وَأَقْبَلَ بُهْلُولٌ إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ الْتَقَوْا بِكُحَيْلٍ دُونَ الْمَوْصِلِ، فَنَزَلَ بُهْلُولٌ عَلَى بَابِ الدَّيْرِ وَهُوَ فِي سَبْعِينَ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ نَفَرًا وَقَاتَلَهُمْ عَامَّةَ نَهَارِهِ، وَكَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا، فَأَكْثَرَ فِيهِمُ الْقَتْلَ وَالْجِرَاحَ، ثُمَّ إِنَّ بُهْلُولًا وَأَصْحَابَهُ عَقَرُوا دَوَابَّهُمْ وَتَرَجَّلُوا فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ بُهْلُولٍ، فَطُعِنَ بُهْلُولٌ فَصُرِعَ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَلِّ أَمْرَنَا. فَقَالَ: إِنْ هَلَكْتُ فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ دِعَامَةُ الشَّيْبَانِيُّ، وَإِنْ هَلَكَ فَأَمِّرُوا الْيَشْكُرِيَّ. وَمَاتَ بُهْلُولٌ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا هَرَبَ دِعَامَةُ وَخَلَّاهُمْ. فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ يَرْثِي بُهْلُولًا:
بُدِّلْتُ بَعْدَ أَبِي بِشْرٍ وَصُحْبَتِهِ ... قَوْمًا عَلَيَّ مَعَ الْأَحْزَابِ أَعْوَانًا
كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ صَحَابَتِنَا ... وَلَمْ يَكُونُوا لَنَا بِالْأَمْسِ خِلَّانَا
يَا عَيْنُ أَذْرِي دُمُوعًا مِنْكِ تَهْتَانًا ... وَابْكِي لَنَا صُحْبَةً بَانُوا وَإِخْوَانَا
خَلَّوْا لَنَا ظَاهِرَ الدُّنْيَا وَبَاطِنَهَا ... وَأَصْبَحُوا فِي جِنَانِ الْخُلْدِ جِيرَانَا
فَلَمَّا قُتِلَ بُهْلُولٌ خَرَجَ عَمْرٌو الْيَشْكُرِيُّ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute