قِيلَ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ هُوَ الَّذِي ادَّعَى الْمَالَ وَدِيعَةً عِنْدَ زَيْدٍ.
فَلَمَّا أَمَرَهُمْ هِشَامٌ بِالْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ إِلَى يُوسُفَ اسْتَقَالُوهُ خَوْفًا مِنْ شَرِّ يُوسُفَ وَظُلْمِهِ، فَقَالَ: أَنَا أَكْتُبُ إِلَيْهِ بِالْكَفِّ عَنْكُمْ، وَأُلْزِمُهُمْ بِذَلِكَ، فَسَارُوا عَلَى كُرْهٍ.
وَجَمَعَ يُوسُفُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يَزِيدَ، فَقَالَ يَزِيدُ: [مَا] لِي عِنْدَهُمْ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. قَالَ يُوسُفُ: أَبِي تَهْزَأُ أَمْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَعَذَّبَهُ يَوْمَئِذٍ عَذَابًا كَادَ يُهْلِكُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْفِرَّاشِينَ فَضُرِبُوا وَتَرَكَ زَيْدًا. ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُمْ وَأَطْلَقَهُمْ، فَلَحِقُوا بِالْمَدِينَةِ، وَأَقَامَ زَيْدٌ بِالْكُوفَةِ، وَكَانَ زَيْدٌ قَدْ قَالَ لِهِشَامٍ لَمَّا أَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى يُوسُفَ: مَا آمَنُ إِنْ بَعَثْتَنِي إِلَيْهِ أَنْ لَا نَجْتَمِعَ أَنَا وَأَنْتَ حَيَّيْنِ أَبَدًا. قَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، فَسَارُوا إِلَيْهِ.
وَقِيلَ: كَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ زَيْدًا كَانَ يُخَاصِمُ ابْنَ عَمِّهِ جَعْفَرَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي [وِلَايَةِ] وُقُوفِ عَلِيٍّ، [وَكَانَ] زَيْدٌ يُخَاصِمُ عَنْ بَنِي الْحُسَيْنِ، وَجَعْفَرٌ يُخَاصِمُ عَنْ بَنِي الْحَسَنِ، فَكَانَا يَتَبَالَغَانِ [بَيْنَ يَدَيِ الْوَالِي إِلَى] كُلِّ غَايَةٍ وَيَقُومَانِ فَلَا يُعِيدَانِ مِمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا حَرْفًا.
فَلَمَّا مَاتَ جَعْفَرٌ نَازَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، فَتَنَازَعَا يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَارِثِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَغْلَظَ عَبْدُ اللَّهِ لِزَيْدٍ وَقَالَ: يَابْنَ السِّنْدِيَّةِ! فَضَحِكَ زَيْدٌ وَقَالَ: قَدْ كَانَ إِسْمَاعِيلُ لِأَمَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَبَرَتْ بَعْدَ وَفَاةِ سَيِّدِهَا إِذْ لَمْ يَصْبِرْ غَيْرُهَا - يَعْنِي فَاطِمَةَ ابْنَةَ الْحُسَيْنِ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ أَبِيهِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ، ثُمَّ نَدِمَ زَيْدٌ وَاسْتَحْيَا مِنْ فَاطِمَةَ، وَهِيَ عَمَّتُهُ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا زَمَانًا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: يَابْنَ أَخِي إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ أُمَّكَ عِنْدَكَ كَأُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُ. وَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: بِئْسَ مَا قُلْتَ لِأُمِّ زَيْدٍ! أَمَا وَاللَّهِ لَنِعْمَ دَخِيلَةُ الْقَوْمِ كَانَتْ! قَالَ: فَذَكَرَ أَنَّ خَالِدًا قَالَ لَهُمَا: اغْدُوَا عَلَيْنَا غَدًا، فَلَسْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ إِنْ لَمْ أَفْصِلْ بَيْنَكُمَا. فَبَاتَتِ الْمَدِينَةُ تَغْلِي كَالْمِرْجَلِ، يَقُولُ قَائِلٌ قَالَ زَيْدٌ كَذَا، وَيَقُولُ قَائِلٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَذَا.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَلَسَ خَالِدٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ فَمِنْ بَيْنَ شَامِتٍ وَمَهْمُومٍ، فَدَعَا بِهِمَا خَالِدٌ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَتَشَاتَمَا، فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ زَيْدٌ: لَا تَعْجَلْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَعْتَقَ زَيْدٌ مَا يَمْلِكُ إِنْ خَاصَمَكَ إِلَى خَالِدٍ أَبَدًا.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى خَالِدٍ فَقَالَ: جَمَعْتَ ذُرِّيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمْرٍ مَا كَانَ يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ! فَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute