خَالِدٌ: أَمَا لِهَذَا السَّفِيهِ أَحَدٌ؟ فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: يَابْنَ أَبِي تُرَابٍ وَابْنَ حُسَيْنٍ السَّفِيهَ! أَمَا تَرَى لِلْوَالِي عَلَيْكَ حَقًّا وَلَا طَاعَةً؟ فَقَالَ زَيْدٌ: اسْكُتْ أَيُّهَا الْقَحْطَانِيُّ فَإِنَّا لَا نُجِيبُ مِثْلَكَ. قَالَ: وَلِمَ تَرْغَبُ عَنِّي؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَخَيْرٌ مِنْكَ، وَأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيكَ، وَأُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّكَ. فَتَضَاحَكَ زَيْدٌ وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذَا الدِّينُ قَدْ ذَهَبَ فَذَهَبَتِ الْأَحْسَابُ، فَوَاللَّهِ لَيَذْهَبُ دِينُ الْقَوْمِ وَمَا تَذْهَبُ أَحْسَابُهُمْ. فَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ أَيُّهَا الْقَحْطَانِيُّ! فَوَاللَّهِ لَهُوَ خَيْرٌ مِنْكَ نَفْسًا وَأُمًّا وَأَبًا وَمَحْتِدًا! وَتَنَاوَلَهُ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ، وَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ وَضَرَبَ بِهَا الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا لَنَا عَلَى هَذَا مِنْ صَبْرٍ.
وَشَخَصَ زَيْدٌ إِلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَجَعَلَ هِشَامٌ لَا يَأْذَنُ لَهُ، فَيَرْفَعُ إِلَيْهِ الْقِصَصَ، فَكُلَّمَا رَفَعَ قِصَّةً يَكْتُبُ هِشَامٌ فِي أَسْفَلِهَا: ارْجِعْ إِلَى أَمِيرِكَ. فَيَقُولُ زَيْدٌ: وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَى خَالِدٍ أَبَدًا. ثُمَّ أَذِنَ لَهُ يَوْمًا بَعْدَ طُولِ حَبْسٍ، وَرَقِيَ عَلِّيَّةً طَوِيلَةً، وَأَمَرَ خَادِمًا أَنْ يَتْبَعَهُ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ زَيْدٌ وَيَسْمَعَ مَا يَقُولُ، فَصَعِدَ زَيْدٌ، وَكَانَ بَدِينًا، فَوَقَفَ فِي بَعْضِ الدَّرَجَةِ، فَسَمِعَهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا يُحِبُّ الدُّنْيَا أَحَدٌ إِلَّا ذَلَّ. ثُمَّ صَعِدَ إِلَى هِشَامٍ فَحَلَفَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ، فَقَالَ: لَا أُصَدِّقُكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدًا عَنْ أَنْ يَرْضَى بِاللَّهِ، وَلَمْ يَضَعْ أَحَدًا عَنْ أَلَّا يَرْضَى بِذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ هِشَامٌ: لَقَدْ بَلَغَنِي يَا زَيْدُ أَنَّكَ تَذْكُرُ الْخِلَافَةَ وَتَتَمَنَّاهَا، وَلَسْتَ هُنَالِكَ وَأَنْتَ ابْنُ أَمَةٍ. قَالَ زَيْدٌ: إِنَّ لَكَ جَوَابًا. قَالَ: فَتَكَلَّمْ. قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِاللَّهِ، وَلَا أَرْفَعَ دَرَجَةً عِنْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ ابْتَعَثَهُ، وَقَدْ كَانَ إِسْمَاعِيلُ ابْنَ أَمَةٍ، وَأَخُوهُ ابْنَ صَرِيحَةٍ فَاخْتَارَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ خَيْرَ الْبَشَرِ، وَمَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَلِكَ إِذْ كَانَ جَدُّهُ رَسُولَ اللَّهِ، وَأَبُوهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَا كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً. قَالَ لَهُ هِشَامٌ: اخْرُجْ. قَالَ: أَخْرُجُ ثُمَّ لَا أَكُونُ إِلَّا بِحَيْثُ تَكْرَهُ. فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: يَا أَبَا الْحُسَيْنِ لَا تُظْهِرَنَّ هَذَا مِنْكَ.
فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute