للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُذَكِّرُكَ اللَّهَ يَا زَيْدُ لَمَّا لَحِقْتَ بِأَهْلِكَ وَلَا تَأْتِ أَهْلَ الْكُوفَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَفُونَ لَكَ، فَلَمْ يَقْبَلْ. فَقَالَ لَهُ: خَرَجَ بِنَا أُسَرَاءُ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ مِنِ الْحِجَازِ إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ إِلَى الْجَزِيرَةِ، ثُمَّ إِلَى الْعِرَاقِ إِلَى قَيْسِ ثَقِيفٍ يَلْعَبُ بِنَا، وَقَالَ:

بَكَرَتْ تُخَوِّفُنِي الْحُتُوفَ كَأَنَّنِي ... أَصْبَحْتُ عَنْ عَرَضِ الْحَيَاةِ بِمَعْزِلِ

فَأَجَبْتُهَا: إِنَّ الْمَنِيَّةَ مَنْهَلٌ ... لَا بُدَّ أَنْ أُسْقَى بِكَأْسِ الْمَنْهَلِ

إِنَّ الْمَنِيَّةَ لَوْ تُمَثَّلُ مُثِّلَتْ ... مِثْلَى إِذَا نَزَلُوا بِضَيْقِ الْمَنْزِلِ

فَاقْنَيْ حَيَاءَكِ لَا أَبَا لَكِ وَاعْلَمِي ... أَنِّي امْرُؤٌ سَأَمُوتُ إِنْ لَمْ أُقْتَلِ

أَسَتُودِعُكَ اللَّهَ وَإِنِّي أُعْطِي اللَّهَ عَهْدًا إِنْ دَخَلَتْ يَدٌ فِي طَاعَةِ هَؤُلَاءِ مَا عِشْتُ.

وَفَارَقَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَأَقَامَ بِهَا مُسْتَخْفِيًا يَتَنَقَّلُ فِي الْمَنَازِلِ، وَأَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ تُبَايِعُهُ، فَبَايَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، وَنَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ الْعَبْسِيُّ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَنَاسٌ مِنْ وُجُوهِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَانَتْ بَيْعَتُهُ: إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجِهَادِ الظَّالِمِينَ، وَالدَّفْعِ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَإِعْطَاءِ الْمَحْرُومِينَ، وَقَسْمِ هَذَا الْفَيْءِ بَيْنَ أَهْلِهِ بِالسَّوَاءِ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَنَصْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَتُبَايِعُونَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَإِذَا قَالُوا: نَعَمْ، وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَيَقُولُ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَفِيَنَّ بِبَيْعَتِي، وَلَتُقَاتِلَنَّ عَدُوِّي، وَلَتَنْصَحَنَّ لِي فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، مَسَحَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.

فَبَايَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ أَلْفًا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالِاسْتِعْدَادِ، فَأَقْبَلَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَفِيَ لَهُ وَيَخْرُجَ مَعَهُ وَيَسْتَعِدَّ وَيَتَهَيَّأَ، فَشَاعَ أَمْرُهُ فِي النَّاسِ.

هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَتَى الْكُوفَةَ مِنَ الشَّامِ، وَاخْتَفَى بِهَا يُبَايِعُ النَّاسَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ أَتَى إِلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ لِمُوَافَقَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ أَوِ ابْنِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>