يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ، فَإِنَّ زَيْدًا أَقَامَ بِالْكُوفَةِ ظَاهِرًا وَمَعَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَى زَيْدٍ وَتَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ وَيَقُولُونَ: إِنَّا لَنَرْجُوَ أَنْ تَكُونَ أَنْتَ الْمَنْصُورُ، وَإِنَّ هَذَا الزَّمَانَ هُوَ الَّذِي تَهْلِكُ فِيهِ بَنُو أُمَيَّةَ. فَأَقَامَ بِالْكُوفَةِ، وَجَعَلَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ يَسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ: هُوَ هَاهُنَا، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِ لِيَسِيرَ فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَعْتَلُّ بِالْوَجَعِ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يُوسُفُ لِيَسِيرَ، فَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يَبْتَاعُ أَشْيَاءَ يُرِيدُهَا. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ يُوسُفُ بِالْمَسِيرِ عَنِ الْكُوفَةِ، فَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ يُحَاكِمُ بَعْضَ آلِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِمُلْكٍ بَيْنَهُمَا بِالْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ لِيُوَكِّلَ وَكِيلًا وَيَرْحَلَ عَنْهَا. فَلَمَّا رَأَى جِدَّ يُوسُفَ فِي أَمْرِهِ سَارَ حَتَّى أَتَى الْقَادِسِيَّةَ، وَقِيلَ الثَّعْلَبِيَّةَ، فَتَبِعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْكَ أَحَدٌ نَضْرِبُ عَنْكَ بِأَسْيَافِنَا، وَلَيْسَ هَاهُنَا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ إِلَّا عِدَّةٌ يَسِيرَةٌ، بَعْضُ قَبَائِلِنَا يَكْفِيكَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَلَفُوا لَهُ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَخْذُلُونِي وَتُسْلِمُونِي كَفِعْلِكُمْ بِأَبِي وَجَدِّي، فَيَحْلِفُونَ لَهُ. فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: يَابْنَ عَمِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَغُرُّونَكَ مِنْ نَفْسِكَ، أَلَيْسَ قَدْ خَذَلُوا مَنْ كَانَ أَعَزَّ عَلَيْهِمْ مِنْكَ، جَدَّكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى قُتِلَ؟ وَالْحَسَنَ مِنْ بَعْدِهِ بَايَعُوهُ، ثُمَّ وَثَبُوا عَلَيْهِ، فَانْتَزَعُوا رِدَاءَهُ وَجَرَحُوهُ؟ أَوَلَيْسَ قَدْ أَخْرَجُوا جَدَّكَ الْحُسَيْنَ، وَحَلَفُوا لَهُ وَخَذَلُوهُ وَأَسْلَمُوهُ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلُوهُ؟ فَلَا تَرْجِعْ مَعَهُمْ. فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَظْهَرَ أَنْتَ، وَيَزْعُمَ أَنَّهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فَقَالَ زَيْدٌ لِدَاوُدَ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ يُقَاتِلُهُ مُعَاوِيَةُ بِدَهَائِهِ وَنَكْرَائِهِ بِأَهْلِ الشَّامِ، وَإِنَّ الْحُسَيْنَ قَاتَلَهُ يَزِيدُ وَالْأَمْرُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ دَاوُدُ: إِنِّي خَائِفٌ إِنْ رَجَعْتَ مَعَهُمْ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ أَشَدَّ عَلَيْكَ مِنْهُمْ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ.
وَمَضَى دَاوُدُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ زَيْدٌ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ زَيْدٌ أَتَاهُ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، فَذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَقَّهُ، فَأَحْسَنَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: نَنْشُدُكَ اللَّهَ كَمْ بَايَعَكَ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ أَلْفًا. قَالَ: فَكَمْ بَايَعَ جَدَّكَ؟ قَالَ: ثَمَانُونَ أَلْفًا. قَالَ: فَكَمْ حَصَلَ مَعَهُ؟ قَالَ: ثَلَاثُمِائَةٍ. قَالَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ جَدُّكَ؟ قَالَ: جَدِّي. قَالَ: فَهَذَا الْقَرْنُ خَيْرٌ أَمْ ذَلِكَ الْقَرْنُ؟ قَالَ: ذَلِكَ الْقَرْنُ. قَالَ: أَفَتَطْمَعُ أَنْ يَفِيَ لَكَ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ غَدَرَ أُولَئِكَ بِجَدِّكَ؟ قَالَ: قَدْ بَايَعُونِي وَوَجَبَتِ الْبَيْعَةُ فِي عُنُقِي وَأَعْنَاقِهِمْ. قَالَ: أَفَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ؟ فَلَا آمَنُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ فَلَا أَمْلِكُ نَفْسِي. فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute