الْيَمَامَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مُبَايَعَةِ سَلَمَةَ.
وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ إِلَى زَيْدٍ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ نَفْخُ الْعَلَانِيَةِ، خَوَرُ السَّرِيرَةِ، هَرَجٌ فِي الرَّخَاءِ، جَزَعٌ فِي اللِّقَاءِ، تَقَدَمُهُمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَلَا تُشَايِعُهُمْ قُلُوبُهُمْ، وَلَقَدْ تَوَاتَرَتْ إِلَيَّ كُتُبُهُمْ بِدَعْوَتِهِمْ، فَصَمَمْتُ عَنْ نِدَائِهِمْ، وَأَلْبَسْتُ قَلْبِي غِشَاءً عَنْ ذِكْرِهِمْ يَأْسًا مِنْهُمْ وَاطِّرَاحًا لَهُمْ، وَمَا لَهُمْ مَثَلٌ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: " إِنْ أُهْمِلْتُمْ خُضْتُمْ، وَإِنْ حُورِبْتُمْ خِرْتُمْ، وَإِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ، وَإِنْ أَجَبْتُمْ إِلَى مَشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ ". فَلَمْ يُصْغِ زَيْدٌ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَأَقَامَ عَلَى حَالِهِ يُبَايِعُ النَّاسَ وَيَتَجَهَّزُ لِلْخُرُوجِ، وَتَزَوَّجَ بِالْكُوفَةِ ابْنَةَ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ، وَتَزَوَّجَ أَيْضًا ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْعَنْبَسِيِّ الْأَزْدِيِّ.
وَكَانَ سَبَبُ تَزَوُّجِهِ إِيَّاهَا أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ عَمْرٍو بِنْتَ الصَّلْتِ كَانَتْ تَتَشَيَّعُ، فَأَتَتْ زَيْدًا تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً حَسْنَاءَ قَدْ دَخَلَتْ فِي السِّنِّ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهَا، فَخَطَبَهَا زَيْدٌ إِلَى نَفْسِهَا، فَاعْتَذَرَتْ بِالسِّنِّ وَقَالَتْ لَهُ: لِيَ ابْنَةٌ هِيَ أَجْمَلُ مِنِّي وَأَبْيَضُ وَأَحْسَنُ دَلًّا وَشَكْلًا. فَضَحِكَ زِيدٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا. وَكَانَ يَتَنَقَّلُ بِالْكُوفَةِ تَارَةً عِنْدَهَا، وَتَارَةً عِنْدَ زَوْجِهِ الْأُخْرَى، وَتَارَةً فِي بَنِي عَبْسٍ، وَتَارَةً فِي بَنِي هِنْدٍ، وَتَارَةً فِي بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنْ ظَهَرَ.
ذِكْرُ غَزَوَاتِ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا نَصْرُ بْنُ سَيَّارٍ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا مِنْ نَحْوِ الْبَابِ الْجَدِيدِ، فَسَارَ مِنْ بَلْخٍ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَرْوَ فَخَطَبَ النَّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدْ أَقَامَ مَنْصُورَ بْنَ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْخَرْقَاءِ عَلَى كَشْفِ الْمَظَالِمِ، وَأَنَّهُ قَدْ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَمَّنْ قَدْ أَسْلَمَ، وَجَعَلَهَا عَلَى مَنْ كَانَ يُخَفِّفُ عَنْهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
فَلَمْ تَمْضِ جُمْعَةٌ حَتَّى أَتَاهُ ثَلَاثُونَ أَلْفَ مُسْلِمٍ كَانُوا يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ عَنْ رُءُوسِهِمْ، وَثَمَانُونَ أَلْفًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ قَدْ أُلْقِيَتْ عَنْهُمْ، فَحَوَّلَ مَا كَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَوَضَعَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ صَنَّفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute