الْحُضَيْنِ: (امْضِ لِأَمْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمْرِ الْأَمِيرِ) . فَقَالَ نَصْرٌ: يَا يَحْيَى تَكَلَّمْتَ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ عَاصِمٍ بَلَغَتِ الْخَلِيفَةَ فَحَظِيتَ بِهَا وَبَلَغْتَ الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، فَقُلْتَ أَقُولُ مِثْلَهَا، سِرْ يَا يَحْيَى قَدْ وَلَّيْتُكَ مُقَدِّمَتِي. فَلَامَ النَّاسُ يَحْيَى، فَسَارَ إِلَى الشَّاشِ، فَأَتَاهُمُ الْحَارِثُ فَنَصَبَ عَلَيْهِمْ عَرَّادَتَيْنِ، وَأَغَارَ الْأَخْرَمُ، وَهُوَ فَارِسُ التُّرْكِ، عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَوْا رَأْسَهُ إِلَى التُّرْكِ، فَصَاحُوا وَانْهَزَمُوا.
وَسَارَ نَصْرٌ إِلَى الشَّاشِ، فَتَلَقَّاهُ مَلِكُهَا بِالصُّلْحِ وَالْهَدِيَّةِ وَالرَّهْنِ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ نَصْرٌ إِخْرَاجَ الْحَارِثِ بْنِ سُرَيْجٍ عَنْ بَلَدِهِ، فَأَخْرَجَهُ إِلَى فَارَابَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الشَّاشِ نَيْزَكَ بْنَ صَالِحٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ قُبَا مِنْ أَرْضِ فَرْغَانَةَ، وَكَانُوا أَحَسُّوا بِمَجِيئِهِ فَأَحْرَقُوا الْحَشِيشَ وَقَطَعُوا الْمِيرَةَ، فَوَجَّهَ نَصْرٌ إِلَى وَلِيِّ [عَهْدِ] صَاحِبِ فَرْغَانَةَ فَحَاصَرَهُ فِي حِصْنٍ، وَغَفَلُوا عَنْهُ فَخَرَجَ وَغَنِمَ دَوَابَّ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ نَصْرٌ رِجَالًا مِنْ تَمِيمٍ وَمَعَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ وَدَوَابُّهُمْ كَمَنُوا لَهُمْ، فَخَرَجُوا وَاسْتَاقُوا بَعْضَهَا، وَخَرَجَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوا الدِّهْقَانَ، وَأَسَرُوا مِنْهُمْ وَأَسَرُوا ابْنَ الدِّهْقَانِ فَقَتَلَهُ نَصْرٌ، وَأَرْسَلَ نَصْرٌ سُلَيْمَانَ بْنَ صُولٍ بِكِتَابِ الصُّلْحِ إِلَى صَاحِبِ فَرْغَانَةَ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُدْخِلَ الْخَزَائِنَ لِيَرَاهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ الطَّرِيقَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ؟ قَالَ: سَهْلًا كَثِيرَ الْمَاءِ وَالْمَرَاعِي، (فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا عِلْمُكَ؟ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ غَزَوْتُ غَرْشِسْتَانَ وَغُورَ) وَالْخُتُّلَ وَطَبَرِسْتَانَ فَكَيْفَ لَا أَعْلَمُ؟ قَالَ: فَكَيْفَ رَأَيْتَ مَا أَعْدَدْنَا؟ قَالَ: عُدَّةٌ حَسَنَةٌ، وَلَكِنْ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ [صَاحِبَ] الْحِصَارِ لَا يَسْلَمُ مِنْ خِصَالٍ، لَا يَأْمَنُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِ وَأَوْثَقَهُمْ فِي نَفْسِهِ [أَنْ يَثِبَ بِهِ يَطْلُبُ مَرْتَبَتَهُ وَيَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ] ، أَوْ يُفْنِيَ مَا [قَدْ] جَمَعَ فَيَسْلَمُ بِرُمَّتِهِ، أَوْ يُصِيبُهُ دَاءٌ فَيَمُوتُ. فَكَرِهَ مَا قَالَ لَهُ وَأَمَرَهُ فَأُحْضِرَ كِتَابُ الصُّلْحِ، فَأَجَابَ إِلَيْهِ وَسَيَّرَ أُمَّهُ مَعَهُ، وَكَانَتْ صَاحِبَةُ أَمْرِهِ، فَقَدِمَتْ عَلَى نَصْرٍ، فَأَذِنَ لَهَا وَجَعَلَ يُكَلِّمُهَا، وَكَانَ مِمَّا قَالَتْ لَهُ: كُلُّ مَلِكٍ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ سِتَّةُ أَشْيَاءَ فَلَيْسَ بِمَلِكٍ، وَزِيرٌ يَبُثُّ إِلَيْهِ مَا فِي نَفْسِهِ وَيُشَاوِرُهُ وَيَثِقُ بِنَصِيحَتِهِ، وَطَبَّاخٌ إِذَا لَمْ يَشْتَهِ الطَّعَامَ اتَّخَذَ لَهُ مَا يَشْتَهِي، وَزَوْجَةٌ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مُغْتَمًّا فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهَا زَالَ غَمُّهُ، وَحِصْنٌ إِذَا فَزِعَ أَتَاهُ فَأَنْجَاهُ، تَعْنِي الْبِرْذَوْنَ، وَسَيْفٌ إِذَا قَاتَلَ لَا يَخْشَى خِيَانَتَهُ، وَذَخِيرَةٌ إِذَا حَمَلَهَا عَاشَ بِهَا أَيْنَ كَانَ مِنَ الْأَرْضِ.
ثُمَّ دَخَلَ تَمِيمُ بْنُ نَصْرٍ فِي جَمَاعَةٍ فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا فَتَى خُرَاسَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute