فَثَبَتَ فِي دِمَاغِهِ، وَرَجَعَ أَصْحَابُهُ وَلَا يَظُنُّ أَهْلُ الشَّامِ أَنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَّا لِلْمَسَاءِ وَاللَّيْلِ، وَنَزَلَ زَيْدٌ فِي دَارٍ مِنْ دُورِ أَرْحَبَ، وَأَحْضَرَ أَصْحَابُهُ طَبِيبًا، فَانْتَزَعَ النَّصْلَ، فَضَجَّ زَيْدٌ، فَلَمَّا نَزَعَ النَّصْلَ مَاتَ زَيْدٌ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: أَيْنَ نَدْفِنُهُ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَطْرَحُهُ فِي الْمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نَحْتَزُّ رَأْسَهُ وَنُلْقِيهِ فِي الْقَتْلَى. فَقَالَ ابْنُهُ يَحْيَى: وَاللَّهِ لَا تَأْكُلُ لَحْمَ أَبِي الْكِلَابُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَدْفِنُهُ فِي الْحُفْرَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الطِّينُ وَنَجْعَلُ عَلَيْهِ الْمَاءَ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا دَفَنُوهُ أَجْرَوْا عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَقِيلَ: دُفِنَ بِنَهْرِ يَعْقُوبَ، سَكَّرَ أَصْحَابُهُ الْمَاءَ وَدَفَنُوهُ وَأَجْرَوُا الْمَاءَ، وَكَانَ مَعَهُمْ مَوْلًى لِزَيْدٍ سِنْدِيٌّ، وَقِيلَ رَآهُمْ فَسَارَ فَدَلَّ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ، وَسَارَ ابْنُهُ يَحْيَى نَحْوَ كَرْبَلَاءَ فَنَزَلَ بِنِينَوَى عَلَى سَابِقٍ مَوْلَى بِشْرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بِشْرٍ.
ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ تَتَبَّعَ الْجَرْحَى فِي الدُّورِ، فَدَلَّهُ السِّنْدِيُّ مَوْلَى زَيْدٍ يَوْمَ الْجُمْعَةِ عَلَى زَيْدٍ، فَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ قَبْرِهِ وَقَطَعَ رَأْسَهُ وَسُيِّرَ إِلَى يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ بِالْحِيرَةِ، سَيَّرَهُ الْحَكَمُ بْنُ الصَّلْتِ، فَأَمَرَ يُوسُفُ أَنْ يُصْلَبَ زَيْدٌ بِالْكُنَاسَةِ هُوَ وَنَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ وَزِيَادٌ النَّهْدِيُّ، وَأَمَرَ بِحِرَاسَتِهِمْ، وَبَعَثَ الرَّأْسَ إِلَى هِشَامٍ، فَصُلِبَ عَلَى بَابِ مَدِينَةِ دِمَشْقَ، ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَقِيَ الْبَدَنُ مَصْلُوبًا إِلَى أَنْ مَاتَ هِشَامٌ وَوَلِيَ الْوَلِيدُ فَأَمَرَ بِإِنْزَالِهِ وَإِحْرَاقِهِ. وَقِيلَ: كَانَ خِرَاشُ بْنُ حَوْشَبِ بْنِ يَزِيدَ الشَّيْبَانِيُّ عَلَى شُرْطَةِ زَيْدٍ، وَهُوَ الَّذِي نَبَشَ زَيْدًا وَصَلَبَهُ، فَقَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ:
بِتُّ لَيْلًا مُسَهَّدًا ... سَاهِرَ الْعَيْنِ مُقْصَدًا
وَلَقَدْ قُلْتُ قَوْلَةً ... وَأَطَلْتُ التَّبَلُّدَا
لَعَنَ اللَّهُ حَوْشَبًا ... وَخِرَاشًا وَمَزْيَدَا
وَيَزِيدًا فَإِنَّهُ ... كَانَ أَعْتَى وَأَعْنَدَا
أَلْفُ أَلْفٍ وَأَلْفُ أَلْ ... فٍ مِنَ اللَّعْنِ سَرْمَدَا
إِنَّهُمْ حَارَبُوا الْإِلَ ... هَ وَآذَوْا مُحَمَّدَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute