وَسُلَيْطٍ كَلَامٌ، فَقَتَلَهُ عُمَرُ وَدَفَنَهُ فِي الْبُسْتَانِ، وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ مَوْلًى لِعَلِيٍّ وَهَرَبَا، وَكَانَ لِسَلِيطٍ صَاحِبٌ قَدْ عَرَفَ دُخُولَهُ الْبُسْتَانَ فَفَقَدَهُ فَأَتَى أُمَّ سَلِيطٍ فَأَخْبَرَهَا، وَفَقَدَ عَلِيٌّ أَيْضًا عُمَرَ الدَّنَّ وَمَوْلَاهُ، فَسَأَلَ عَنْهُمَا وَعَنْ سَلِيطٍ فَلَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ، وَغَدَتْ أُمُّ سَلِيطٍ إِلَى بَابِ الْوَلِيدِ فَاسْتَغَاثَتْ عَلَى عَلِيٍّ، فَأَتَى الْوَلِيدُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَأَحْضَرَ عَلِيًّا وَسَأَلَهُ عَنْ سَلِيطٍ، فَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ خَبَرَهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِأَمْرٍ، فَأَمَرَهُ بِإِحْضَارِ عُمَرَ الدَّنِّ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مَوْضِعَهُ، فَأَمَرَ الْوَلِيدُ بِإِرْسَالِ الْمَاءِ فِي أَرْضِ الْبُسْتَانِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْحُفْرَةِ الَّتِي فِيهَا سَلِيطٌ انْخَسَفَتْ وَأُخْرِجَ مِنْهَا سَلِيطٌ، فَأَمَرَ الْوَلِيدُ بِعَلِيٍّ فَضُرِبَ وَأُقِيمَ فِي الشَّمْسِ، وَأُلْبِسَ جُبَّةَ صُوفٍ لِيُخْبِرَهُ خَبَرَ سَلِيطٍ وَيَدُلَّهُ عَلَى عُمَرَ الدَّنِّ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ، ثُمَّ شَفَعَ فِيهِ عَبَّاسُ بْنُ زِيَادٍ فَأُخْرِجَ إِلَى الْحُمَيْمَةِ، وَقِيلَ إِلَى الْحِجْرِ، فَأَقَامَ بِهِ حَتَّى هَلَكَ الْوَلِيدُ وَوَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَرَدَّهُ إِلَى دِمَشْقَ.
وَكَانَ هَذَا مِمَّا عَدَّهُ الْمَنْصُورُ عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ حِينَ قَتَلَهُ، وَقَالَ لَهُ: زَعَمْتَ أَنَّكَ ابْنُ سَلِيطٍ وَلَمْ تَرْضَ حَتَّى نَسَبْتَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ وَلَدِهِ، لَقَدِ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا.
وَكَانَ سَبَبُ مَوْجِدَةِ الْوَلِيدِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أُمَّ ابْنِهَا ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَتَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ، فَتَغَيَّرَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَطْلَقَ لِسَانَهُ فِيهِ وَقَالَ: إِنَّمَا صِلَاتُهُ رِيَاءٌ، وَسَمِعَ الْوَلِيدُ ذَلِكَ مِنْ أَبِيهِ فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ كَانَ عَبْدًا، وَكَانَ سَبَبُ انْتِقَالِهِ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ مَاهَانَ كَانَ كَاتِبًا لِبَعْضِ عُمَّالِ السِّنْدِ فَقَدِمَ الْكُوفَةَ، فَاجْتَمَعَ هُوَ وَشِيعَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ، فَغَمَزَ بِهِمْ، فَأُخِذُوا، فَحُبِسَ بُكَيْرٌ وَخُلِّيَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَكَانَ فِي الْحَبْسِ يُونُسُ أَبُو عَاصِمٍ وَعِيسَى بْنُ مَعْقِلٍ الْعِجْلِيُّ وَمَعَهُ أَبُو مُسْلِمٍ يَخْدِمُهُ، فَدَعَاهُمْ بُكَيْرٌ إِلَى رَأْيِهِ، فَأَجَابُوهُ، فَقَالَ لِعِيسَى بْنِ مَعْقِلٍ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: مَمْلُوكٌ. قَالَ: أَتَبِيعُهُ؟ قَالَ: هُوَ لَكَ. قَالَ: أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ ثَمَنَهُ. قَالَ: هُوَ لَكَ بِمَا شِئْتَ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنَ السِّجْنِ، فَبَعَثَ بِهِ بُكَيْرٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامِ، فَدَفَعَهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَبِي مُوسَى السَّرَّاجِ، فَسَمِعَ مِنْهُ وَحَفِظَ ثُمَّ سَارَ مُتَرَدِّدًا إِلَى خُرَاسَانَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ لِبَعْضِ أَهْلِ هَرَاةَ أَوْ بُوشَنْجَ، فَقَدِمَ مَوْلَاهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ الْإِمَامُ وَأَبُو مُسْلِمٍ مَعَهُ، فَأَعْجَبَهُ عَقْلُهُ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ وَمَكَثَ عِنْدَهُ عِدَّةَ سِنِينَ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ بِكُتُبٍ إِلَى خُرَاسَانَ عَلَى حِمَارٍ لَهُ، ثُمَّ وَجَّهَهُ أَمِيرًا عَلَى شِيعَتِهِمْ بِخُرَاسَانَ وَكَتَبَ إِلَى مَنْ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute