نَصْرٌ الرَّسُولَ وَأَجَازَهُ، فَلَمْ يَمْضِ لِذَلِكَ إِلَّا يَسِيرٌ حَتَّى وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ. فَتَحَوَّلَ إِلَى قَصْرِهِ بِمَاجَانَ وَاسْتَخْلَفَ عِصْمَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيَّ عَلَى خُرَاسَانَ، وَمُوسَى بْنَ وَرْقَاءَ بِالشَّاشِ، وَحَسَّانَ مِنْ أَهْلِ الصَّغَانِيَانِ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُقَاتِلَ بْنَ عَلِيٍّ السُّغْدِيَّ بِآمُلَ، وَأَمَرَهُمْ إِذَا بَلَغَهُمْ خُرُوجُهُ مِنْ مَرْوَ أَنْ يَسْتَجْلِبُوا التُّرْكَ لِيَعْبُرُوا عَلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِمْ. وَسَارَ إِلَى الْعِرَاقِ.
فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ إِلَى الْعِرَاقِ طَرَقَهُ مَوْلًى لِبَنِي لَيْثٍ وَأَعْلَمَهُ بِقَتْلِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَذِنَ لِلنَّاسِ، وَأَحْضَرَ رُسُلَ الْوَلِيدِ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ مِنْ مَسِيرِي مَا عَلِمْتُمْ، وَبَعْثِي بِالْهَدَايَا مَا رَأَيْتُمْ، وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ الْهَدَايَا فَبَلَغَتْ بَيْهَقَ، وَطَرَقَنِي فُلَانٌ لَيْلًا فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْوَلِيدَ قَدْ قُتِلَ، وَوَقَعَتِ الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ، وَقَدِمَ مَنْصُورُ بْنُ جُمْهُورٍ الْعِرَاقَ، وَهَرَبَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَنَحْنُ بِالْبِلَادِ الَّتِي قَدْ عَلِمْتُمْ حَالَهَا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا. فَقَالَ سَالِمُ بْنُ أَحْوَزَ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّهُ بَعْضُ مَكَايِدِ قُرَيْشٍ، أَرَادُوا تَهْجِينَ طَاعَتِكَ، فَسِرْ وَلَا تَمْتَحِنَّا. فَقَالَ: يَا سَالِمٌ أَنْتَ رَجُلٌ لَكَ عِلْمٌ بِالْحَرْبِ وَحُسْنُ طَاعَةٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَأَمَّا مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَرَأْيُكَ فِيهَا رَأْيُ أَمَةٍ هَتْمَاءَ. وَرَجَعَ بِالنَّاسِ.
ذِكْرُ قَتْلِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِخُرَاسَانَ.
وَسَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ سَارَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ إِلَى خُرَاسَانَ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَأَتَى بَلْخًا فَأَقَامَ بِهَا عِنْدَ الْحَرِيشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ دَاوُدَ حَتَّى هَلَكَ هِشَامٌ وَوَلِيَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ. فَكَتَبَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ إِلَى نَصْرٍ بِمَسِيرِ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ وَبِمَنْزِلِهِ عِنْدَ الْحَرِيشِ، وَقَالَ لَهُ: خُذْهُ أَشَدَّ الْأَخْذِ، فَأَخَذَ نَصْرٌ الْحَرِيشَ، فَطَالَبَهُ بِيَحْيَى، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهِ. فَأَمَرَ فَجُلِدَ سِتُّمِائَةِ سَوْطٍ. فَقَالَ الْحَرِيشُ: وَاللَّهِ لَوْ أَنَّهُ تَحْتَ قَدَمِي مَا رَفَعْتُهَا عَنْهُ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قُرَيْشُ بْنُ الْحَرِيشِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَقْتُلْ أَبِي وَأَنَا أَدُلُّكَ عَلَى يَحْيَى، فَدَلَّهُ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ نَصْرٌ وَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ يُخْبِرُهُ، فَكَتَبَ الْوَلِيدُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُؤَمِّنَهُ وَيُخَلِّيَ سَبِيلَهُ وَسَبِيلَ أَصْحَابِهِ. فَأَطْلَقَهُ نَصْرٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْوَلِيدِ وَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَسَارَ إِلَى سَرْخَسَ فَأَقَامَ بِهَا، فَكَتَبَ نَصْرٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يُسَيِّرَهُ عَنْهَا، فَسَيَّرَهُ عَنْهَا، فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute